لها الالتفات ، فيفيد معنى الآية يعني أنّ التقدير يصير إلا امرأتك ، فإنها لم تنه عن الالتفات. قال ابن عطية : وهذا الاعتراض حسن يلزم أنّ الاستثناء من أحد رفعت التاء أو نصبت ، والانفصال عنه يترتب بكلام محكي عن المبرد وهو أنّ النهي إنما قصد به لوط وحده ، والالتفات منفي عنهم ، فالمعنى : أن لا تدع أحدا منهم يلتفت. وهذا كما تقول لرجل : لا يقم من هؤلاء أحد ، وأولئك لم يسمعوك ، فالمعنى : لا تدع من هؤلاء يقوم ، والقيام في المعنى منفى عن المشار إليهم.
وقال الزمخشري : وفي إخراجها مع أهله روايتان : روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي ، فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت : وا قوماه ، فأدركها حجر فقتلها. وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها ، وأن هواها إليهم ، ولم يسر بها. واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين انتهى. وهذا وهم فاحش إذ بنى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنه سرى بها ، أو أنه لم يسر بها ، وهذا تكاذب في الأخبار يستحيل أن تكون القراءتان وهما من كلام الله تترتبان على التكاذب. وقيل في الاستثناء من الأهل إشكال من جهة المعنى ، إذ يلزم أن لا يكون سري بها ، ولما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا ، وزال هذا الإشكال أن يكون لم يسر بها ، ولكنها لما تبعتهم التفتت. وقيل : الذي يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع ، لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ، ولا من المنهيين عن الالتفات ، ولكن استؤنف الإخبار عنها ، فالمعنى : لكن امرأتك يجري لها كذا وكذا. ويؤيد هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر ، وليس فيها استثناء البتة قال تعالى : فاسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون ، فلم تقع العناية في ذلك إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى. فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم ، وإذا اتضح هذا المعنى علم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع ، ففيه النصب والرفع. فالنصب لغة أهل الحجاز وعليه الأكثر ، والرفع لبني تميم وعليه اثنان من القرّاء انتهى. وهذا الذي طول به لا تحقيق فيه ، فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات ، وجعل استثناء منقطعا كان الاستثناء المنقطع الذي لم يتوجه عليه العامل بحال ، وهذا النوع من الاستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع من العرب ، وليس فيه النصب والرفع باعتبار اللغتين ، وإنما هذا في الاستثناء المنقطع ، وهو الذي يمكن توجه العامل عليه. وفي كلا النوعين يكون ما بعد إلا من غير الجنس المستثنى منه ،