الدين. وهذا أشبه لمجيء قصة المراودة بعد هذه القصة ، وكذلك أي : مثل ذلك الجزاء لمن صبر ورضي بالمقادير نجزي المحسنين. وفيه تنبيه على أن يوسف كان محسنا في عنفوان شبابه فآتاه الله الحكم والعلم جزاء على إحسانه. وعن الحسن : من أحسن عبادة الله في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله. وقال ابن عباس : المحسنين المهتدين ، وقال الضحاك : الصابرين على النوائب.
(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ. وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) : المراودة : المطالبة برفق ، من راد يرود إذا ذهب وجاء ، وهي مفاعلة من واحد نحو : داويت المريض ، وكنى به عن طلب النكاح والمخادعة لأجله. كان المعنى وخادعته عن نفسه ، ولذلك عداه بعن. وقال التي هو في بيتها ، ولم يصرح باسمها ، ولا بامرأة العزيز ، سترا على الحرم. والعرب تضيف البيوت إلى النساء فتقول : ربة البيت ، وصاحبة البيت. قال الشاعر :
يا ربة البيت قومي غير صاغرة
وغلقت الأبواب هو تضعيف تكثير بالنسبة إلى وقوع الفعل بكل باب باب. قيل : وكانت سبعة أبواب. هيت اسم فعل بمعنى أسرع. ولك للتبيين أي : لك أقول ، أمرته بأن يسرع إليها. وزعم الكسائي والفراء أنها لغة حورانية وقعت إلى أهل الحجاز فتكلموا بها ومعناها : تعال ، وقاله عكرمة. وقال أبو زيد : هي عبرانية ، هيتلخ أي تعاله فأعربه القرآن ، وقال ابن عباس والحسن : بالسريانية ، وقال السدي : بالقبطية هلمّ لك ، وقال مجاهد وغيره : عربية تدعوه بها إلى نفسها ، وهي كلمة حث وإقبال انتهى. ولا يبعد اتفاق اللغات في لفظ ، فقد وجد ذلك في كلام العرب مع لغات غيرهم. وقال الجوهري : هوت وهيت به صاح به فدعاه ، ولا يبعد أن يكون مشتقا من اسم الفعل ، كما اشتقوا من الجمل نحو سبح وحمدك. ولما كان اسم فعل لم يبرز فيه الضمير ، بل يدل على رتبة الضمير بما يتصل باللام من الخطاب نحو : هيت لك ، وهيت لك ، وهيت لكما ، وهيت لكم ، وهيت لكن. وقرأ نافع ، وابن ذكوان ، والأعرج ، وشيبة ، وأبو جعفر : هيت بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة وفتح التاء ، والحلواني عن هشام كذلك إلا أنه همز وعلى ، وأبو وائل ، وأبو رجاء ، ويحيى ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وطلحة ، والمقري ، وابن عباس ، وأبو عامر في رواية