(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) : في الكلام حذف تقديره : فسجنوه ، فدخل معه السجن غلامان. وروي أنهما كانا للملك الأعظم الوليد بن الريان ، أحدهما خبازه ، والآخر ساقيه. وروي أن الملك اتهمهما بأن الخابز منهما أراد سمه ووافقه على ذلك الساقي ، فسجنهما قاله : السدي. ومع تدل على الصحبة واستحداثها ، فدل على أنهم سجنوا الثلاثة في ساعة واحدة. ولما دخل يوسف السجن استمال الناس بحسن حديثه وفضله ونبله ، وكان يسلي حزينهم ، ويعود مريضهم ، ويسال لفقيرهم ، ويندبهم إلى الخير ، فأحبه الفتيان ولزماه ، وأحبه صاحب السجن والقيم عليه وقال له : كن في أي البيوت شئت فقال له يوسف : لا تحبني يرحمك الله ، فلقد أدخلت على المحبة مضرات ، أحبتني عمتي فامتحنت بمحبتها ، وأحبني أبي فامتحنت بمحبته ، وأحبتني امرأة العزيز فامتحنت بمحبتها بما ترى. وكان يوسف عليهالسلام قد قال لأهل السجن : إني أعبر الرؤيا وأجيد. وروي أن الفتيين قالا له : إنا لنحبك من حين رأيناك فقال : أنشدكما الله أن لا تحباني ، وذكر ما تقدم. وعن قتادة : كان في السجن ناس قد انقطع رجاؤهم وطال حزنهم ، فجعل يقول : اصبروا وابشروا تؤجروا إن لهذا لأجرا فقالوا : بارك الله عليك ، ما أحسن وجهك ، وما أحسن خلقك! لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى؟ قال يوسف : ابن صفي الله يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحاق ابن خليل الله ابراهيم. فقال له عامل السجن : لو استطعت خليت سبيلك.
وهذه الرؤيا التي للفتيين قال مجاهد : رأيا ذلك حقيقة فأرادا سؤاله. وقال ابن مسعود والشعبي : استعملاها ليجرباه. والذي رأى عصر الخمر اسمه بنو قال : رأيت حبلة من كرم لها ثلاثة أغصان حسان ، فيها عناقيد عنب حسان ، فكنت أعصرها وأسقي الملك. والذي رأى الخبز اسمه ملحب قال : كنت أرى أن أخرج من مطبخة الملك وعلى رأسي ثلاث سلال فيها خبز ، والطير تأكل من أعلاه ، ورأى الحلمية جرت مجرى أفعال القلوب في جواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متحدي المعنى ، فأراني فيه ضمير الفاعل المستكن ، وقد تعدى الفعل إلى الضمير المتصل وهو رافع للضمير المتصل ، وكلاهما لمدلول واحد. ولا يجوز أن يقول : اضربني ولا أكرمني. وسمى العنب خمرا باعتبار ما يؤول إليه. وقيل : الخمر بلغة غسان اسم العنب. وقيل : في لغة أزد عمان. وقال المعتمر : لقيت أعرابيا يحمل عنبا في وعاء فقلت : ما تحمل؟ قال : خمرا ، أراد العنب. وقرأ أبي وعبد الله :