(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ. قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) : في الكلام حذف تقديره : فحفظ الرسول ما أول به يوسف الرؤيا ، وجاء إلى الملك ومن أرسله وأخبرهم بذلك ، وقال الملك. وقال ابن عطية : في تضاعيف هذه الآيات محذوفات يعطيها ظاهر الكلام ويدلّ عليها ، والمعنى : فرجع الرسول إلى الملك ومن مع الملك فنص عليهم مقالة يوسف ، فرأى الملك وحاضروه نبل التعبير ، وحسن الرأي ، وتضمن الغيب في أمر العام الثامن مع ما وصفه به الرسول من الصدق في المنام المتقدم ، فعظم يوسف في نفس الملك وقال : ائتوني به ، فلما وصل الرسول في إخراجه إليه وقال : إنّ الملك قد أمر بأن تخرج إليه ، قال له : ارجع إلى ربك أي : إلى الملك وقل له : ما بال النسوة؟ ومقصد يوسف عليهالسلام إنما كان وقل له يستقصي عن ذنبي ، وينظر في أمري ، هل سجنت بحق أو بظلم؟ وكان هذا الفعل من يوسف إناءة وصبرا وطلبا لبراءة الساحة ، وذلك أنه فيما روي خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ، ويسكت عن أمر دينه صفحا ، فيراه الناس بتلك العين أبدا ويقولون : هذا الذي راود امرأة مولاه ، فأراد يوسف عليهالسلام أن يبين براءته ويتحقق منزلته من العفة والخير ، وحينئذ يخرج للإحظاء والمنزلة.
وقال الزمخشري : إنما تأنى وتثبت في إجابة الملك ، وقدم سؤال النسوة لتظهر براءة ساحته عما فرق به وسجن فيه ، لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ، ويجعلوه سلما إلى حط منزلته لديه ، ولئلا يقولوا : ما خلد في السجن سبع سنين إلا أمر عظيم وجرم كبير حق به أن يسجن ويعذب ، ويكشف سره ، وفيه دليل على أنّ الاجتهاد في نفي التهم واجبة وجوب ابقاء الوقوف في مواقفها. قال عليهالسلام : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم» انتهى. ولأجل هذا كان الزمخشري ، وكان مقطوع الرجل قد أثبت على القضاة أن رجله لم تقطع في خيانة ولا فساد ، وكان يظهر ذلك المكتوب في كل بلد دخله خوفا من تهمة السوء. وإنما قال : سل الملك عن شأن النسوة ، ولم يقل سله أن يفتش عنهن ، لأن السؤال مما يهيج الإنسان ويحركه للبحث عنما سئل عنه ، فأراد أن يورد عليه السؤال ليجري التفتيش عن حقيقة القصة ، وقص الحديث حتى يتبين له براءته بيانا مكشوفا يتميز فيه الحق من الباطل. ومن كرم يوسف عليهالسلام أنه لم يذكر زوج العزيز