العزيز كان لا يطأ ، فولدت له ولدين : إفرائيم ، ومنشا. وأقام العدل بمصر ، وأحبه الرجال والنساء ، وأسلم على يده الملك وكثير من الناس ، وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها ، ثم بالحلي والجواهر ، ثم بالدواب ، ثم بالضياع والعقار ، ثم برقابهم ، ثم استرقهم جميعا فقالوا : والله ما رأينا كاليوم ملكا أجل ولا أعظم منه فقال للملك : كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني ، فما ترى؟ قال : الرأي رأيك قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم. وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس ، وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام نحو ما أصاب مصر ، فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا ، واحتبس بنيامين. وقرأ الحسن وابن كثير : بخلاف عنهم أبو جعفر وشيبة ونافع : حيث نشاء بالنون ، والجمهور بالياء. والظاهر أنّ قراءة الياء يكون فاعل نشاء ضميرا يعود على يوسف ، ومشيئته محذوقة بمشيئة الله ، إذ هو نبيه ورسوله. وأما إن يكون الضمير عائدا على الله أي : حيث يشاء الله ، فيكون التفاتا. نصيب برحمتنا أي : بنعمتنا من الملك والغنى وغيرهما ، ولا نضيع في الدنيا أجر من أحسن. ثم ذكر أن أجر الآخرة خير ، لأنه الدائم الذي لا يفنى. وقال سفيان بن عيينة : المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة ، والفاجر يعجل له الخير في الدنيا ، وما له في الآخرة من خلاق ، وتلا هذه الآية. وفي الحديث ما يوافق ما قال سفيان ، وفي الآية إشارة إلى أن حال يوسف في الآخرة خير من حالته العظيمة في الدنيا.
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ. وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ. قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ. وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) : أي جاؤوا من القريات من أرض فلسطين بأرض الشام. وقيل : من الأولاج من ناحية الشعب إلى مصر ليمتاروا منها ، فتوصلوا إلى يوسف للميرة ، فعرفهم لأنه فارقهم وهم رجال ، ورأى زيهم قريبا من زيهم إذ ذاك ، ولأنّ همته كانت معمورة بهم وبمعرفتهم ، فكان يتأمل ويتفطن. وروي أنهم انتسبوا في الاستئذان عليه فعرفهم ، وأمر بإنزالهم. ولذلك قال الحسن : ما عرفهم حتى تعرفوا له ، وإنكارهم إياه كان. قال الزمخشري : لطول العهد ومفارقته إياهم في سن الحداثة ، ولاعتقادهم أنه قد هلك ، ولذهابه عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه ، ولبعد