ينزل ما تضمنه قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا) (١) الآية وقيل : آية كآية موسى وعيسى كالعصا واليد البيضاء ، وإحياء الموتى ، طلبوا ذلك على سبيل التعنت.
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) : لما ذكر تعالى قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) (٢). الآية ثم ذكر قوله : وقالوا لو لا انزل عليه آية (٣) وذلك على سبيل التعنت أخبر أنّ هؤلاء إنما يصيرون لهذه المقالات عند ما يكونون في رخاء من العيش وخلو بال ، وأنّ إحسان الله تعالى قابلوه بما لا يجوز من ابتغاء المكر لآياته ، وكان خليقا بهم أن يكونوا أول من صدق بآياته. وإعراضهم عن الآيات نظير قوله : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) (٤). وسبب نزولها أنه لما دعا على أهل مكة الرسول بالجدب قحطوا سبع سنين ، فأتاه أبو سفيان فقال : ادع لنا بالخصب ، فإنّ أخصبنا صدقنا ، فسأل الله لهم فسقوا ولم يؤمنوا ، وهذه وإن كانت في الكفار فهي تتناول من العاصين من لا يؤدّي شكر الله عند زوال المكروه عنه ، ولا يرتدع بذلك عن معاصيه ، وذلك في الناس كثير. تجد الإنسان يعقد عند مس الضر التوبة والتنصل من سائر المعاصي ، فإذا زال عنه رجع إلى أقبح عاداته. والرحمة هنا الغيث بعد القحط ، والأمن بعد الخوف ، والصحة بعد المرض ، والغنى بعد الفقر ، وما أشبه ذلك. ومعنى مستهم خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم ، ومعنى مكر في آياتنا التكذيب بالقرآن ، والشك فيه قاله جماعة. وقال مجاهد ومقاتل : الاستهزاء والتكذيب. وقال أبو عبيدة : الرد والجحود. وحكى الماوردي النفاق لأنه إظهار الإيمان وإبطان الكفر ، وهو شبيه بما قال الزمخشري : إنّ المكر أخفى الكيد. وقال ابن عطية : والمكر الاستهزاء والطعن عليها من الكفار ، واطراح الشكر والخوف من العصاة انتهى. والإذاقة والمس هنا مجازان ، وفي هذه الجملة دليل على سرعة تقلب ابن آدم من حالة الخير إلى حالة الشر ، وذلك بلفظ أذقنا ، كأنه قيل : أول ذوقه الرحمة قبل أن يداوم استطعامها مكروه بلفظ من المشعرة بابتداء الغاية أي : ينشىء المكر إثر كشف الضراء لا يمهل ذلك. وبلفظ إذا الفجائية الواقعة جوابا لإذا الشرطية ، أي في وقت إذاقة الرحمة
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٠.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ١٥.
(٣) سورة يونس : ١٠ / ٢٠. ويقولون. وفي الأنعام : ٦ / ٣٧. وقالوا : لو لا نزل عليه آية. وفي الرعد : ١٣ / ٧. ويقول : لو لا أنزل عليه آية.
(٤) سورة يونس : ١٠ / ١٢.