استفهام إخبار عن الله تعالى. وقيل : يدبر حال من الضمير في وسخر ، ونفصل حال من الضمير في يدبر ، والخطاب في لعلكم للكفرة ، وتوقنون بالجزاء أو بأنّ هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه.
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) : لما قرر الدلائل السماوية أردفها بتقرير الدلائل الأرضية. ومد الأرض : بسطها طولا وعرضا ليمكن التصرف فيها ، والاستقرار عليها. قيل : مدها ودحاها من مكة من تحت البيت ، فذهبت كذا وكذا. وقيل : كانت مجتمعة عند بيت المقدس فقال لها : اذهبي كذا وكذا. قال ابن عطية : وقوله مد الأرض ، يقتضي أنها بسيطة لا كرة ، وهذا هو ظاهر الشريعة. قال أبو عبد الله الداراني : ثبت بالدليل أنّ الأرض كرة ، ولا ينافي ذلك قوله : مد الأرض ، وذلك أنّ الأرض جسم عظيم. والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح ، والتفاوت بينه وبين السطح لا يحصل إلا في علم الله تعالى. ألا ترى أنه قال : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (١) مع أن العالم والناس يسيرون عليها فكذلك هنا. وأيضا إنما ذكر مد الأرض ليستدل به على وجود الصانع ، وكونها مجتمعة تحت البيت أمر غير مشاهد ولا محسوس ، فلا يمكن الاستدلال به على وجود الصانع. فتأويل مد الأرض أنه جعلها بمقدار معين ، وكونها تقبل الزيادة والنقص أمر جائز ممكن في نفسه ، فالاختصاص بذلك المقدار المعين لا بد أن يكون بتخصيص مخصص ، وتقدير مقدر ، وبهذا يحصل الاستدلال على وجود الصانع انتهى ملخصا. وقال أبو بكر الأصم : المد البسط إلى ما لا يرى منتهاه ، فالمعنى : جعل الأرض حجما يسيرا لا يقع البصر على منتهاه ، فإن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به انتهى. وهذا الذي ذكره من أنها لو كانت أصغر إلى آخره غير مسلم ، لأن المنتفع به من الأرض المعمور ، والمعمور أقل من غير المعمور بكثير. فلو أراد تعالى أن يجعلها مقدار المعمور المنتفع به لم يكن ذلك ممتنعا ، فتحصل في قوله : مد الأرض ثلاث تأويلات بسطها بعد أن كانت مجتمعة ، واختصاصها بمقدار معين وجعل حجمها كبيرا لا يرى منتهاه. والرواسي الثوابت ، ومنه قول الشاعر :
به خالدات ما يرمن وهامد |
|
وأشعت أرسته الوليدة بالقهر |
__________________
(١) سورة النبأ : ٧٨ / ٧.