نفعا ولا ضرا ، ومن بهذه المثابة فكيف يملك لهم نفعا أو ضرا؟ ثم مثل ذلك حالة الكافر والمؤمن ، ثم حالة الكفر والإيمان ، وأبرز ذلك في صورة الاستفهام للذي يبادر المخاطب إلى الجواب فيه من غير فكر ولا روية بقوله : قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ ثم انتقل إلى الاستفهام عن الوصفين القائمين بالكافر وهو : الظلمات ، وبالمؤمن وهو النور. وتقدم الكلام في جمع الظلمات وإفراد النور في سورة البقرة.
وقرأ الأخوان وأبو بكر : أم هل يستوي بالياء ، والجمهور بالتاء ، أم في قوله : أم ، هل منقطعة تتقدو ببل؟ والهمزة على المختار ، والتقدير : بل أهل تستوي؟ وهل وإن نابت عن همزة الاستفهام في كثير من المواضع فقد جامعتها في قول الشاعر :
أهل رأونا بوادي القفر ذي الاكم
وإذا جامعتها مع التصريح بها فلأنّ تجامعها مع أم المتضمنة لها أولى ، وهل بعد أم المنقطعة يجوز أن يؤتى بها لشبهها بالأدوات الاسمية التي للاستفهام في عدم الأصالة فيه كقوله : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) (١) ويجوز أن لا يؤتى بها بعد أم المنقطعة ، لأن أم تتضمنها ، فلم يكونوا ليجمعوا بين أم والهمزة لذلك. وقال الشاعر في عدم الإتيان بهل بعد أم والإتيان بها :
هل ما علمت وما استودعت مكتوم |
|
أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم |
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته |
|
إثر الأحبة يوم البين مشكوم |
ثم انتقل من خطابهم إلى الإخبار عنهم غائبا إعراضا عنهم ، وتنبيها على توبيخهم في جعل شركاء لله ، وتعجيبا منهم ، وإنكارا عليهم. وتضمن هذا الاستفهام التهكم بهم ، لأنّه معلوم بالضرورة أن هذه الأصنام وما اتخذوها من دون الله أولياء ، وجعلوهم شركاء لا تقدر على خلق ذرة ، ولا إيجاد شيء البتة ، والمعنى : أن هؤلاء الشركاء هم خالقون شيئا حتى يستحقوا العبادة ، وجعلهم شركاء لله أي : جعلوا لله شركاء موصوفين بالخلق مثل خلق الله ، فتشابه ذلك عليهم ، فيعبدونهم. ومعلوم أنهم لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، فكيف يشركون في العبادة؟ (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (٢) ثم أمره تعالى فقال : قل الله خالق كل شيء أي : موجد الأشياء كلها معبوداتهم وغيرها. وهم أيضا مقرون بذلك ، (وَلَئِنْ
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٣١.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ١٧.