فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه |
|
ببعض أبت عيدانه أن تكسرا |
أي ضربنا بقوة. وقال الزجاج القارعة في اللغة النازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم. المحو الإزالة محوت الخط أذهبت أثره ومحا المطر رسم الدار أذهبه وأزاله ويقال في مضارعه يمحو ويمحي لأن عينه حرف حلق والإثبات ضد المحو.
(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ. وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) : قال ابن عباس : نزلت أفمن يعلم في حمزة وأبي جهل. وقيل : في عمر بن الخطاب وأبي جهل. وقيل : في عمار بن ياسر وأبي جهل. قرأ زيد بن علي : أو من بالواو بدل الفاء ، إنما أنزل مبنيا للفاعل. ولما ذكر تعالى مثل المؤمن والكافر ، وذكر ما للمؤمن من الثواب ، وما للكافر من العقاب ، ذكر استبعاد من يجعلها سواء وأنكر ذلك فقال : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى أي : ليسا مشتبهين ، لأنّ العالم بالشيء بصير به ، والجاهل به كالأعمى ، والمراد أعمى البصيرة ولذلك قابله بالعلم. والهمزة للاستفهام المراد به : إنكار أن تقع شبهة بعد ما ضرب من المثل في أن حال من علم إنما أنزل إليك من ربك الحق فاستجاب ، بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب ، كبعد ما بين الزبد والماء ، والخبث والإبريز. ثم ذكر أنه لا يتذكر بالموعظة ، وضرب الأمثال إلا أصحاب العقول. والفاء للعطف ، وقدمت همزة الاستفهام لأنه صدر الكلام والتقدير : فأمن يعلم ، ويبعدها أن يكون فعل محذوف بين الهمزة والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك الفعل ، كما قدره الزمخشري في قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) (١) وقوله : (أَفَلا يَعْقِلُونَ) (٢) وجوزوا في الذين أن يكون بدلا من أولوا ، أو صفة له ، وصفة لمن من قوله : أفمن يعلم. وإنما يتذكر اعتراض ، ومبتدأ خبره أولئك لهم عقبى الدار كقوله : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) (٣) ثم قال : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) (٤) والظاهر
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٨٢.
(٢) سورة يس : ٣٦ / ٦٨.
(٣) سورة الرعد : ١٣ / ٢٥.
(٤) سورة الرعد : ١٣ / ٢٥.