في اللغة وهو : القنوط من الشيء ، وتأولوا ذلك. فقال الكسائي : المعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش المعاندين لله ورسوله؟ وذلك أنه لما سألوا هذه الآيات اشتاق المؤمنون إليها وأحبوا نزولها ليؤمن هؤلاء الذين علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون ، فقال الذين آمنوا من إيمانهم. وقال الفراء : وقع للمؤمنين أن لو يشاء هدى الناس جميعا فقال : أفلم ييأسوا؟ علمنا بقول آبائهم ، فالعلم مضمر كما تقول في الكلام : يئست منك أن لا تفلح كأنه قال : علمته علما قال : فيئست بمعنى علمت وإن لم يكن قد سمع ، فإنه يتوجه إلى ذلك بالتأويل. وقال أبو العباس : أفلم ييأسوا بعلمهم أن لا هداية إلا بالمشيئة؟ وإيضاح هذا المعنى أن يكون : أن لو يشاء الله متعلقا بآمنوا أي : أفلم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ، ولهداهم إلى الإيمان أو الجنة. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه ، وذلك أنه لما أبعد إيمانهم في قوله : ولو أن قرآنا الآية على التأويل في المحذوف المقدر. قال في هذه : أفلم ييأس المؤمنون انتهى. وهذا قول الفراء الذي ذكرناه ، وقال الزمخشري : ويجوز أن يتعلق أن لو يشاء الله بآمنوا على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا انتهى. وهذا قول أبي العباس ، ويحتمل عندي وجه آخر غير ما ذكروه ، وهو أن الكلام تام عند قوله : أفلم ييأس الذين آمنوا ، إذ هو تقرير أي : قد يئس المؤمنون من إيمان هؤلاء المعاندين. وأن لو يشاء جواب قسم محذوف أي : وأقسموا لو شاء الله لهدى الناس جميعا ، ويدل على إضمار هذا القسم وجود أن مع لو كقول الشاعر :
أما والله أن لو كنت حرا |
|
وما بالحر أنت ولا القمين |
وقول الآخر :
فاقسم أن لو التقينا وأنتم |
|
لكان لنا يوم من الشر مظلم |
وقد ذكر سيبويه أنّ أن تأتي بعد القسم ، وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم المقسم بالجملة عليها ، وأما على تأويل الجمهور فإن عندهم هي المخففة من الثقيلة أي : أنه لو يشاء الله. وقرأ علي وابن عباس قال الزمخشري وجماعة من الصحابة والتابعين ، وقال غيره ، وعكرمة ، وابن أبي مليكة ، والجحدري ، وعلي بن الحسين ، وابنه زيد ، وأبو زيد المزني ، وعلي بن نديمة ، وعبد الله بن يزيد : أفلم يتبين من بينت كذا إذا عرفته. وتدل هذه القراءة على أنّ معنى أفلم ييأس هنا معنى العلم ، كما تظافرت النقول أنها لغة لبعض العرب.