وهذه القراءة ليست قراءة تفسير لقوله : أفلم ييأس ، كما يدل عليه ظاهر كلام الزمخشري ، بل هي قراءة مسندة إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وليست مخالفة للسواد إذ كتبوا ييئس بغير صورة الهمزة ، وهذا كقراءة : (فَتَبَيَّنُوا) (١) و (فَثَبِّتُوا) (٢) وكلتاهما في السبعة. وأما قول من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس ، فسوى أسنان السين فقول زنديق ملحد. وقال الزمخشري : وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام ، وكان متقلبا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهتمين عليه ، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه ، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع ، والقاعدة التي عليها البناء ، هذه والله فرية ما فيها مرية انتهى. وقال الفراء : لا يتلى إلا كما أنزل : أفلم ييأس انتهى.
والكفار عام في جميع الكفار ، وهذا الأمر مستمر فيهم إلى يوم القيامة قاله : الحسن ، وابن السائب ، أو هو ظاهر اللفظ. وقال ابن عطية : كفار قريش ، والعرب لا تزال تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وغزواته. وقال مقاتل والزمخشري : كفار مكة. قال الزمخشري : تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في أنفسهم وأولادهم وأموالهم ، أو تحل القارعة قريبا منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شررها ، وتتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم ، أو القيامة انتهى. وقال الحسن : حال الكفرة هكذا هو أبدا ، ووعد الله قيام الساعة. والظاهر أنّ الضمير في تحل عائد على قارعة قاله الحسن. وقالت فرقة : التاء للخطاب ، والضمير للرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم بجيشك كما حلّ بالحديبية ، وعزاه الطبري إلى : ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وقاله عكرمة. ويكون وعد الله فتح مكة ، وكان الله قد وعده ذلك ، وقاله ابن عباس ومجاهد. وقرأ مجاهد ، وابن جبير : أو يحل بالياء على الغيبة ، واحتمل أن يكون عائدا على معنى القارعة راعى فيه التذكير لأنها بمعنى البلاء ، أو تكون الهاء في قارعة للمبالغة ، فذكر واحتمل أن يكون عائدا على الرسول صلىاللهعليهوسلم أي : ويحل الرسول قريبا. وقرأ أيضا من ديارهم على الجمع. وقال ابن عباس : القارعة العذاب من السماء. وقال عكرمة : السرايا والطلائع. وفي قوله : ولقد استهزىء الآية ، تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنّ حالك حال من تقدمك من الرسل ، وأنّ المستهزئين يملى لهم أي : يمهلون ثم يؤخذون. وتنبيه على أنّ
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٩٤.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ١٢.