والرحمة. وكونه أضاف العباد إليه فهو تشريف لهم ، وتأكيد اسم أنّ بقوله : أنا. وإدخال أل على هاتين الصفتين وكونهما جاءتا بصيغة المبالغة والبداءة بالصفة السارة أولا وهي الغفران ، واتباعها بالصفة التي نشأ عنها الغفران وهي الرحمة. وروي في الحديث : «لو يعلم العبد قدر عفو الله ما تورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه» وفي الحديث عن ابن المبارك بإسناده أن الرسول صلىاللهعليهوسلم طلع من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال : «ألا أراكم تضحكون» ثم أدبر حتى إذا كان عناء الحجر ، رجع إلينا القهقرى فقال : «جاء جبريل عليهالسلام فقال يقول الله لم تقنط عبادي نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم».
(وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ * قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ولما ذكر تعالى ما أعد للعاصين من النار ، وللطائعين من الجنة ، ذكر العرب بأحوال من يعرفونه ممن عصى وكذب الرسل فحل به عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ، ليزدجروا عن كفرهم ، وليعتبروا بما حل بغيرهم. فبدأ بذكر جدهم الأعلى إبراهيم عليهالسلام ، وما جرى لقوم ابن أخيه لوط ، ثم بذكر أصحاب الحجر وهم قوم صالح ، ثم بأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب. وقرأ أبو حيوة : ونبيهم بإبدال الهمزة ياء. وضيف ابراهيم هم الملائكة الذين بشروه بالولد ، وبهلاك قوم لوط. وأضيفوا إلى ابراهيم وإن لم يكونوا أضيافا ، لأنهم في صورة من كان ينزل به من الأضياف ، إذ كان لا ينزل به أحد إلا ضافه ، وكان يكنى أبا الضيفان. وكان لقصره أربعة أبواب ، من كل جهة باب ، لئلا يفوته أحد. والضيف أصله المصدر ، والأفصح أن لا يثنى ولا يجمع للمثنى والمجموع ، ولا حاجة إلى تكلف إضمار كما قاله النحاس وغيره من تقدير : أصحاب ضيف. وسلاما مقتطع من جملة محكية بقالوا ، فليس منصوبا به ، والتقدير : سلمت سلاما من السلامة ، أو سلمنا سلاما من التحية. وقيل : سلاما نعت لمصدر محذوف تقديره : فقالوا قولا سلاما ، وتصريحه هنا بأنه وجل منهم ، كان بعد تقريبه إليهم ما أضافهم به وهو العجل الحنيذ ، وامتناعهم من الأكل وفي هو ذاته أوجس في نفسه خيفة ، فيمكن أنّ هذا التصريح كان بعد إيجاس الخيفة. ويحتمل أن يكون القول هنا مجازا بأنه ظهرت عليه مخايل الخوف حتى صار كالمصرح به القائل.
وقرأ الجمهور : لا توجل مبنيا للفاعل. وقرأ الحسن : بضم التاء مبنيا للمفعول من