(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ * وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ * فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) : أصحاب الحجر ثمود قوم صالح عليهالسلام ، والحجر أرض بين الحجاز والشام ، وتقدّمت قصته في الأعراف مستوفاة. والمرسلين يعني بتكذيبهم صالحا ، لأنّ من كذب واحدا منهم فكأنما كذبهم جميعا. قال الزمخشري : أو أراد صالحا ومن معه من المؤمنين كما قيل : الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه. وعن جابر قال : مررنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الحجر فقال لنا : «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذر أن يصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء ، ثم زجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم راحلته فأسرع حتى خلفها» وفي بعض طرقه ثم قال : «هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلا رجلا كان في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله» قيل : من هو يا رسول الله؟ قال : «أبو رغال» وإليه تنسب ثقيف.
وآتيناهم آياتنا قيل : أنزل إليهم آيات من كتاب الله ، وقيل : يراد نصب الأدلة فأعرضوا عنها. وقيل : كان في الناقة آيات خمس. خروجها من الصخرة ، ودنو نتاجها عند خروجها ، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة ، وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعا. وقيل : كانت له آيات غير الناقة. وقرأ الجمهور : ينحتون بكسر الخاء. وقرأ الحسن ، وأبو حيوة بفتحها وصفهم بشدة النظر للدنيا والتكسب منها ، فذكر من ذلك مثالا وهو نقرهم بالمعاول ونحوها في الحجارة. وآمنين ، قيل : من الانهدام. وقيل : من حوادث الدنيا. وقيل : من الموت لاغترارهم بطول الأعمار. وقيل : من نقب اللصوص ، ومن الأعداء. وقيل : من عذاب الله ، يحسبون أنّ الجبال تحميهم منه. قال ابن عطية : وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة ، فكانوا لا يعملون بحسبها ، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها. ومصبحين : داخلين في الصباح. والظاهر أنّ ما في قوله فما أغنى نافية ، وتحتمل الاستفهام المراد منه التعجب. وما في كانوا يحتمل أن تكون مصدرية ، والظاهر أنها بمعنى الذي ، والضمير محذوف أي : يكسبونه من البيوت الوثيقة والأموال والعدد ، بل خروا جاثمين هلكى (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ * كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَ رَبِّكَ