أن البنات لله فقد جعلوا لله مثلا ، فالبنات من البشر وكثرة البنات مكروه عندهم ذميم فهو المثل السوء. والذي أخبر الله تعالى أنهم لهم وليس في البنات فقط ، بل لما جعلوه هم البنات جعله هو لهم على الإطلاق في كل سوء ، ولا غاية أبعد من عذاب النار. وقوله : ولله المثل الأعلى ، على الإطلاق أي : الكمال المستغنى. وقال قتادة : المثل الأعلى لا إله إلا الله انتهى ، وقول قتادة مروي عن ابن عباس. ولما تقدم قوله : ويجعلون لله البنات الآية تقدم ما نسبوا إلى الله ، وأتى ثانيا ما كان منسوبا لأنفسهم ، وبدأ هنا بقوله : للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ، وأتى بعد ذلك بما يقابل قوله : سبحانه وتعالى من التنزيه وهو قوله : ولله المثل الأعلى ، وهو الوصف المنزه عن سمات الحدوث والتوالد ، وهو الوصف الأعلى الذي ليس يشركه فيه غيره ، وناسب الختم بالعزيز وهو الذي لا يوجد نظيره ، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها.
(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ * وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ * تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) : لما حكى الله تعالى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر ونسبة التولد له ، بيّن تعالى أنه يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهارا لفضله ورحمته. ويؤاخذ : مضارع آخذ ، والظاهر أنه بمعنى المجرد الذي هو أخذه. وقال ابن عطية : كان أحد المؤاخذين يأخذ من الآخر ، إما بمعصية كما هي في حق الله تعالى ، أو بإذاية في جهة المخلوقين ، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء انتهى. والظاهر : عموم الناس. وقيل : أهل مكة ، والباء في بظلمهم للسبب. وظلمهم كفرهم ومعاصيهم. والضمير في عليها عائد على غير مذكور ، ودل على أنه الأرض قوله : من دابة ، لأن الدبيب من الناس لا يكون إلا في الأرض ، فهو كقوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (١) أي بالمكان لأن (وَالْعادِياتِ) (٢) معلوم أنها لا تعدو إلا في مكان ، وكذلك الإثارة والنقع. والظاهر عموم من دابة فيهلك الصالح بالطالح ، فكان يهلك جميع ما يدب على الأرض
__________________
(١) سورة العاديات : ١٠٠ / ٤.
(٢) سورة العاديات : ١٠٠ / ١.