تبيين للعبرة. وقال الزمخشري : وهو استئناف كأنه قيل : كيف العبرة؟ فقيل : نسقيكم من بين فرث ودم ، أي : يخلق الله اللبن وسطا بين الفرث والدم يكتنفانه ، وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة ، بل هو خالص من ذلك كله انتهى. قال ابن عباس : إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا يبقى فيه ، وأعلاه دما يجري في العروق ، وأوسطه لبنا يجري في الضرع. وقال ابن جبير : الفرث في أوسط المصارين ، والدم في أعلاها ، واللبن بينهما ، والكبد يقسم الفرث إلى الكرش ، والدم إلى العروق ، واللبن إلى الضروع.
وقال أبو عبد الله الرازي : قال المفسرون : المراد من قوله من بين فرث ودم ، هو أنّ هذه الثلاثة تتولد في موضع واحد ، فالفرث يكون في أسفل الكرش ، والدم في أعلاه ، واللبن في الوسط ، وقد دللنا على أنّ هذا القول على خلاف الحس والتجربة ، وكان الرازي قد قدم أن الحيوان يذبح ولا يرى في كرشه دم ولا لبن ، بل الحق أنّ الغذاء إذا تناوله الحيوان وصل إلى الكرش وانطبخ وحصل الهضم الأول فيه ، فما كان منه كثيفا نزل إلى الأمعاء ، وصافيا انحدر إلى الكبد فينطبخ فيها ويصير دما ، وهو الهضم الثاني مخلوطا بالصفراء والسوداء وزيادة المائية ، فتذهب الصفراء إلى المرارة ، والسوداء إلى الطحال ، والماء إلى الكلية ، وخالص الدم يذهب إلى الأوردة وهي العروق النابتة من الكبد فيحصل الهضم الثالث. وبين الكبد وبين الضرع عروق كثيرة ينصب الدم من تلك العروق إلى الضرع ، وهو لحم رخو أبيض فينقلب من صورة الدم إلى صورة اللبن ، فهذا هو الصحيح في كيفية توالد اللبن انتهى ملخصا. وقال أيضا : وأما نحن فنقول : المراد من الآية هو أنّ اللبن إنما يتولد من بعض أجزاء الدم ، والدم إنما يتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث ، وهي الأشياء المأكولة الحاصلة في الكرش. فاللبن متولد مما كان حاصلا فيما بين الفرث أولا ، ثم مما كان حاصلا فيما بين الدم ثانيا انتهى ، ملخصا أيضا.
والذي يظهر من لفظ الآية أنّ اللبن يكون وسطا بين الفرث والدم ، والبينية يحتمل أن تكون باعتبار المكانية حقيقة كما قاله المفسرون وادعى الرازي أنه على خلاف الحس والمشاهدة. ويحتمل أن تكون البينية مجازية ، باعتبار تولده من ما حصل في الفرث أولا ، وتولده من الدم الناشئ من لطيف ما كان في الفرث ثانيا كما قرره الرازي. ومن الأولى للتبعيض متعلقة بنسقيكم ، والثانية لابتداء الغاية متعلقة بنسقيكم ، وجاز تعلقهما بعامل