نحلة ، ويؤنث في لغة الحجاز ، ولذلك قال : أن اتخذي. وقرأ ابن وثاب : النحل بفتح الحاء ، وأن تفسيرية ، لأنه تقدم معنى القول وهو : وأوحى. أو مصدرية أي : باتخاذ ، قال أبو عبد الله الرازي : أن هي المفسرة لما في الوحي من معنى القول ، هذا قول جمهور المفسرين وفيه نظر. لأنّ الوحي هنا بإجماع منهم هو الإلهام ، وليس في الإلهام معنى القول ، وقال : قرر تعالى في أنفسها الأعمال العجيبة التي يعجز عنها للعقلاء من البشر منها بناؤها البيوت المسدسة من أضلاع ، متساوية بمجرد طباعها ، ولا يتم مثل ذلك العقلاء إلا بآلات كالمسطرة والبركان ، ولم تبنها بأشكال غير تلك ، فتضيق تلك البيوت عنها لبقاء فرج لا تسعها ، ولها أمير أكبر جثة منها نافذ الحكم يخدمونه ، وإذا نفرت عن وكرها إلى موضع آخر وأرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول وآلات الموسيقى ، وبوساطة تلك الألحان تعود إلى وكرها ، فلما امتازت بهذه الخواص العجيبة وليس إلا على سبيل الإلهام ، وهي حالة تشبه الوحي لذلك قال : وأوحى ربك إلى النحل. انتهى ملخصا. ومن للتبعيض لأنها لا تبنى في كل جبل ، وكل شجر ، وكل ما يعرش ، ولا في كل مكان منها. والظاهر أن البيوت هنا عبارة عن الكوى التي تكون في الجبال ، وفي متجوف الأشجار. وأما من ما يعرش ابن آدم فالخلايا التي يصنها للنحل ابن آدم ، والكوى التي تكون في الحيطان. ولما كان النحل نوعين : منه ما مقره في الجبال والغياض ولا يتعهده أحد ، ومنه ما يكون في بيوت الناس ويتعهد في الخلايا ونحوها ، شمل الأمر باتخاذ البيوت النوعين. وقال الزمخشري : ما يدل على أنّ البيوت ليست الكوى ، وإنما هي ما تبنيه هي ، فقال : أريد معنى البعضية ، يعني بمن ، وأن لا يبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكلّ ما يعرش. وقال ابن زيد : ومما يعرشون الكروم. وقال الطبري : مما يبنون من السقوف. قال ابن عطية : وهذا منهما تفسير غير متقن انتهى. وقرأ السلمي ، وعبيد بن نضلة ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : بضم الراء ، وباقي السبعة بكسرها ، وتقتضي ثم المهلة والتراخي بين الاتخاذ والأكل الذي تدخر منه العسل ، فلذلك كان العطف بثم وهو معطوف على اتخذي ، وهو أمر معطوف على أمر ، وسيأتي الكلام على أمر غير المكلف في قوله : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) (١) إن شاء الله وكل الثمرات عام مخصوص أي : المعتادة ، لا كلها. قال الزمخشري : أي ابني البيوت ثم كلي من كل ثمرة تشتهيها انتهى. فدل قوله : أي ابني
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ١٨.