والظن في معرفة الله لا يغني من الحق شيئا أي : من إدراك الحق ومعرفته على ما هو عليه ، لأنه تجويز لا قطع. وقيل : وما يتبع أكثرهم في جعلهم الأصنام آلهة ، واعتقادهم أنها تشفع عند الله وتقرب إليه. وقرأ عبد الله : تفعلون بالتاء على الخطاب التفاتا والجملة تضمنت التهديد والوعيد على اتباع الظن ، وتقليد الآباء. وقيل : نزلت في رؤساء اليهود وقريش.
(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) : لما تقدم قولهم : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) (١) وكان من قولهم : إنه افتراه قال تعالى : وما كان هذا القرآن أن يفتري أي : ما صح ، ولا استقام أن يكون هذا القرآن المعجز مفترى. والإشارة بهذا فيها تفخيم المشار إليه وتعظيمه ، وكونه جامعا للأوصاف التي يستحيل وجودها فيه أن يكون مفتري. والظاهر أنّ أن يفترى هو خبر كان أي : افتراء ، أي : ذا افتراء ، أو مفترى. ويزعم بعض النحويين أنّ أن هذه هي المضمرة بعد لام الجحود في قولك : ما كان زيد ليفعل ، وأنه لما حذفت اللام أظهرت أن وأنّ اللام وأن يتعاقبان ، فحيث جيء باللام لم تأت بأن بل تقدرها ، وحيث حذفت اللام ظهرت أن. والصحيح أنهما لا يتعاقبان ، وأنه لا يجوز حذف اللام وإظهار أن إذ لم يقم دليل على ذلك. وعلى زعم هذا الزاعم لا يكون أن يفترى خبرا لكان ، بل الخبر محذوف. وأن يفترى معمول لذلك الخبر بعد إسقاط اللام ، ووقعت لكن هنا أحسن موقع إذ كانت بين نقيضين وهما : الكذب والتصديق المتضمن الصدق ، والذي بين يديه الكتب الإلهية المتقدمة قاله ابن عباس كما جاء مصدّقا لما معكم. وعن الزجاج الذي بين يديه أشراط الساعة ، ولا يقوم البرهان على قريش إلا بتصديق القرآن ما في التوراة والإنجيل ، مع أن الآتي به يقطعون أنه لم يطالع تلك الكتب ولا غيرها ، ولا هي في بلده ولا قومه ، لا بتصديق الاشراط ، لأنهم لم يشاهدوا شيئا منها. وتفصيل الكتاب تبيين ما فرض وكتب فيه من الأحكام والشرائع. وقرأ الجمهور : تصديق وتفصيل بالنصب ، فخرجه الكسائي والفراء ومحمد بن سعدان والزجاج على أنه خبر كان مضمرة أي : ولكن كان تصديق أي مصدقا ومفصلا. وقيل : انتصب مفعولا من أجله ، والعامل محذوف ، والتقدير : ولكن أنزل للتصديق. وقيل : انتصب على المصدر ، والعامل فيه فعل محذوف. وقرأ عيسى بن عمر : تفصيل وتصديق بالرفع ، وفي يوسف خبر مبتدأ محذوف أي : ولكن هو تصديق. كما قال الشاعر :
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١٥.