القرآن. وقال صاحب اللوامح : هذا مما حذف الموصوف منه وأقيمت الصفة مقامه أي : بصورة بشر مثله ، فالهاء في ذلك واقعة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي العامة إلى القرآن. وادعوا من استطعتم أن تدعوه من خلق الله إلى الاستعانة على الإتيان بمثله من دون الله أي : من غير الله ، لأنه لا يقدر على أن يأتي بمثله أحد إلا الله ، فلا تستعينوه وحده ، واستعينوا بكل من دونه إن كنتم صادقين في أنه افتراه. وقد تمسك المعتزلة بهذه الآية على خلق القرآن قالوا : لأنه تحدّى به وطلب الإتيان بمثله وعجزوا ، ولا يمكن هذا إلا إذا كان الإتيان بمثله صحيح الوجود في الجملة ، ولو كان قديما لكان الإتيان بمثل القديم محالا في نفس الأمر ، فوجب أن لا يصح التحدي به. وقال أبو عبد الله الرازي : مراتب التحدي بالقرآن ست تحدّ بكل القرآن في : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ) (١) الآية ، وتحد بعشر سور ، وتحدّ بسورة واحدة ، وتحد بحديث مثله في قوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (٢) وفي هذه الأربع طلب أن يعارض رجل يساوي الرسول في عدم التتلمذ والتعليم ، وتحد طلب منهم معارضة سورة واحدة من أي إنسان كان تعلم العلوم أو لم يتعلمها ، وفي هذه المراتب الخمس تحدى كل واحد من الخلق ، وتحد طلب من المجموع واستعانة بعض ببعض انتهى ملخصا.
(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) : قال الزمخشري : بل كذبوا ، بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن ، وفاجأوه في بديهة السماع قبل أن يفهموه ويعلموا كنه أمره ، وقبل أن يتدبروه ويفقهوا تأويله ومعانيه ، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم ، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم. وقال ابن عطية : هذا اللفظ يحتمل معنيين : أحدهما : أن يريد بما الوعيد الذي توعدهم الله على الكفر ، وتأويله على هذا يريد به ما يؤول إليه أمره كما هو في قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) (٣) والآية محملها على هذا التأويل يتضمن وعيدا ، والمعنى الثاني : أنه أراد بل كذبوا بهذا القرآن العظيم المنبئ بالغيوب الذي لم يتقدّم لهم به معرفة ، ولا أحاطوا بمعرفة غيوبه وحسن نظمه ، ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه. وقال أبو عبد الله الرازي : يحتمل وجوها ، الأول : كلما سمعوا شيئا من القصص قالوا (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٤) ولم يعرفوا أن المقصود منها ليس نفس الحكاية ، بل قدرته تعالى على التصرف في هذا العالم ، ونقله
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٨٨.
(٢) سورة الطور : ٥٢ / ٣٤.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٥٣.
(٤) سورة الأنفال : ٨ / ٣١ ـ النحل : ١٦ / ٢٤ ، الفرقان : ٢٥ / ٥ ـ القلم : ٦٨ / ١٥ ـ المطففين : ٨٣ / ١٣.