عما كنتم تعملون. ولو كان هذا المضطر إلى الضلال والاهتداء ، لما أثبت لهم عملا يسألون عنه انتهى. قالوا : كرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلا تهمما بذلك ، ومبالغة في النهي عنه لعظم موقعه في الدين. قال ابن عطية : وتردده في معاملات الناس. وقال الزمخشري : تأكيدا عليهم ، وإظهار العظم ما يرتكب منه انتهى. وقيل : إنما كرر لاختلاف المعنيين : لأن الأول نهى فيه عن الدخول في الحلف ونقض العهد بالقلة والكثرة ، وهنا نهي عن الدخل في الإيمان التي يراد بها اقتطاع حقوق ، فكأنه قال : دخلا بينكم لتتوصلوا بها إلى قطع أموال المسلمين ، وأقول : لم يتكرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلا ، وإنما سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بشيء خاص وهو : أن تكون أمة هي أربى من أمة.
وجاء النهي بقوله : ولا تتخذوا ، استئناف إنشاء عن اتخاذ الإيمان دخلا على العموم ، فيشمل جميع الصور من الحلف في المبايعة ، وقطع الحقوق المالية ، وغير ذلك. وانتصب فتزل على جواب النهي ، وهو استعارة لمن كان مستقيما ووقع في أمر عظيم وسقط ، لأنّ القدم إذا زلت تقلب الإنسان من حال خير إلى حال شر. وقال كثير : فلما توافينا ثبت وزلت. قال الزمخشري : فنزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها. (فإن قلت) : لم وجدت القدم ونكرت؟ (قلت) : لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه ، فكيف بأقدام كثيرة انتهى؟ ونقول : الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع ، وتارة يلحظ فيه اعتبار كل فرد فرد ، فإذا لوحظ فيه المجموع كان الإسناد معتبرا فيه الجمعية ، وإذا لوحظ كل فرد فرد كان الإسناد مطابقا للفظ الجمع كثيرا ، فيجمع ما أسند إليه ، ومطابقا لكل فرد فرد فيفرد كقوله : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) (١) أفرد متكأ لما كان لوحظ في قوله لهن معنى لكل واحدة ، ولو جاء مرادا به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع المتكأ ، وعلى هذا المعنى ينبغي أن يحمل قول الشاعر :
فإني وجدت الضامرين متاعهم |
|
يموت ويفنى فارضخي من وعائيا |
أي : رأيت كل ضامر. ولذلك أفرد الضمير في يموت ويفنى. ولما كان المعنى هنا : لا يتخذ كل واحد منكم ، جاء فنزل قدم مراعاة لهذا المعنى ثم قال : وتذوقوا ، مراعاة للمجموع ، أو للفظ الجمع على الوجه الكثير. إذا قلنا : إن الإسناد لكل فرد فرد ، فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلا باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد فرد ، ودل على ذلك بإفراد
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٣١.