الصالح مخصص لقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (١) أو يراد بمثقال ذرة من إيمان ، كما جاء في من يخرج من النار من عصاة المؤمنين ، والظاهر من قوله تعالى : فلنحيينه حياة طيبة ، أنّ ذلك في الدنيا وهو قول الجمهور ؛ ويدل عليه قوله : ولنجزينهم أجرهم يعني في الآخرة ، وقال الحسن ، ومجاهد ، وابن جبير ، وقتادة ، وابن زيد : ذلك في الجنة. وقال شريك : في القبر. وقال عليّ ، ووهب بن منبه ، وابن عباس ، والحسن في رواية عنهما هي : القناعة ، وعن ابن عباس والضحاك : الرزق الحلال ، وعنه أيضا : السعادة. وقال عكرمة : الطاعة. وقال قتادة : الرزق في يوم بيوم ، وقال إسماعيل بن أبي خالد : الرزق الطيب والعمل الصالح ، وقال أبو بكر الورّاق : حلاوة الطاعة ، وقيل : العافية والكفاية ، وقيل : الرضا بالقضاء ، ذكرهما الماوردي. وقال الزمخشري : المؤمن مع العمل الصالح إن كان موسرا فلا مقال فيه ، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه ، وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى. والفاجر إن كان معسرا فلا إشكال في أمره ، وإن كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. وقال ابن عطية : طيب الحياة للصالحين بانبساط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم ، والرجاء للنفس أمر ملذ ، وبأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم ، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة وقناعة فذاك كمال ، وإلا فالطيب فيما ذكرنا راتب. وعاد الضمير في فلنحيينه على لفظه من مفردا ، وفي ولنجزينهم على معناها من الجمع ، فجمع. وروي عن نافع : وليجزينهم بالياء بدل النون ، التفت من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة. وينبغي أن يكون على تقدير قسم ثان لا معطوفا على فلنحيينه ، فيكون من عطف جملة قسمية على جملة قسمية ، وكلتاهما محذوفتان. ولا يكون من عطف جواب على جواب ، لتغاير الإسناد وإفضاء الثاني إلى إخبار المتكلم عن نفسه بإخبار الغائب ، وذلك لا يجوز. فعلى هذا لا يجوز : زيد قلت والله لأضربن هندا ولينفينها ، يريد ولينفيها زيد. فإن جعلته على إضمار قسم ثان جاز أي : وقال زيد لينفينها لأن ، لك في هذا التركيب أن تحكى لفظه ، وأن تحكى على المعنى. فمن الأول : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) (٢) ومن الثاني : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) (٣) ولو جاء على اللفظ لكان ما قلنا.
(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ
__________________
(١) سورة الزلزلة : ٩٩ / ٧.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ١٠٧.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ٧٤.