قوله : (لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) (١) وهدى ورحمة في هذه السورة. ولا يمتنع عطفه على المصدر المنسبك من أن والفعل ، لأنه مجرور ، فيكون وهدى وبشرى مجرورين كما تقول : جئت لأحسن إلى زيد وإكرام لخالد ، إذ التقدير : لإحسان إلى زيد. وأجاز أبو البقاء أن يكون ارتفاع هدى وبشرى على إضمار مبتدأ أي : وهو هدى وبشرى. ولما نسبوه عليهالسلام للافتراء وهو الكذب على الله ، لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا ذلك الافتراء الذي نسبوه هو من تعليم بشر إياه ، فليس هو المختلق بل المختلق غيره ، وهو ناقل عنه. وظاهر قولهم : إنما أنت مفتر. إنّ معناه : مختلق الكذب ، وهو ينافي التعلم من البشر ، فيحتمل أن يكون قوله : مفتر ، في نسبة ذلك إلى الله ، ويحتمل أن يكونوا فيه طائفتين : طائفة ذهبت إلى أنه هو المفتري ، وطائفة أنه يتعلم من البشر. ويعلم مضارع اللفظ ومعناه : المضي أي : ولقد علمنا ، وجاء إسناد التعليم إلى مبهم لم يعين. فقيل : هو حبر غلام ورمى كان لعامر بن الحضرمي ، وقيل : عائش أو يعيش ، وكان صاحب كتب مولى حويطب بن عبد العزى وكان قد أسلم فحسن إسلامه قاله : الفراء ، والزجاج. وقيل : أبو فكيهة أعجمي مولى لمرأة بمكة. قيل : واسمه يسار وكان يهوديا قاله : مقاتل ، وابن جبير ، إلا أنه لم يقل كان يهوديا. وقال ابن زيد : كان رجلا حدادا نصرانيا اسمه عنس. وقال حصين بن عبد الله بن مسلم : كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر ، يسار وحبر ، كانا يقرآن كتبا لهما بلسانهم ، وكان صلىاللهعليهوسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما. قيل : وكانا حدادين يصنعان السيوف ، فقال المشركون : يتعلم منهما فقيل لأحدهما ذلك فقال : بل هو يعلمني ، فقال ابن عباس : كان في مكة غلام أعجمي لبعض قريش يقال له : بلعام ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعلمه الإسلام فقالت قريش : هذا يعلم محمدا من جهة الأعاجم. وقال الضحاك : الإشارة إلى سلمان الفارسي ، وضعف هذا من جهة أنّ سلمان إنما أسلم بعد الهجرة ، وهذا السورة مكية إلا ما نبه عليه أنه مدني. واللسان : هنا اللغة. وقرأ الحسن : اللسان الذي بتعريف اللسان بأل ، والذي صفته. وقرأ حمزة والكسائي : يلحدون من لحد ثلاثيا ، وهي قراءة عبد الله بن طلحة ، والسلمي ، والأعمش ، ومجاهد ، وقرأ باقي السبعة ، وابن القعقاع : بضم الياء وكسر الحاء من ألحد رباعيا وهما بمعنى واحد. قال الزمخشري : يقال ألحد القبر ولحده ، فهو ملحد وملحودا ذا أمال حفره عن الاستقامة فحفر في شق منه ، ثم استعير لكل إمالة عن استقامة فقالوا : ألحد فلان في قوله : وألحد في دينه لأنه أمال دينه عن الأديان كلها ، لم
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٦٤.