الخوف. وقرأ عبد الله فأذاقها الله الخوف والجوع ، ولا يذكر لباس. والذي أقوله : إنّ هذا تفسير المعنى لا قراءة ، لأن المنقول عنه مستفيضا مثل ما في سواد المصحف. وفي مصحف أبي بن كعب لباس الخوف والجوع ، بدأ بمقابل ما بدأ به في قوله : كانت آمنة ، وهذا عندي إنما كان في مصحفه قبل أن يجمعوا ما في سواد المصحف الموجود الآن شرقا وغربا ، ولذلك المستفيض عن أبي في القراءة إنما هو كقراءة الجماعة بما كانوا يصنعون من كفران نعم الله ، ومنها تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي جاءهم. والضمير في بما كانوا يصنعون عائد على المحذوف في قوله : وضرب الله مثلا قرية ، أي : قصة أهل قرية ، أعاد الضمير أولا على لفظ قرية ، ثم على المضاف المحذوف كقوله : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) (١) (أَوْ هُمْ قائِلُونَ). والظاهر أن الضمير في ولقد جاءهم ، عائد على ما عاد عليه في قوله : بما كانوا يصنعون. وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون الضمير في جاءهم لأهل تلك المدينة ، يكون هذا بما جرى فيها كمدينة شعيب عليهالسلام وغيره ، ويحتمل أن يكون لأهل مكة. وقال أبو عبد الله الرازي : لما ذكر المثل قال : ولقد جاءهم ـ يعني أهل مكة ـ رسول منهم يعني ـ من أنفسهم ـ يعرفونه بأصله ونسبه ، ولما وعظ تعالى بضرب ذلك المثل وصل هذا الأمر للمؤمنين بالفاء ، فأمر المؤمنين بأكل ما رزقهم وشكر نعمته ليباينوا تلك القرية التي كفرت بنعم الله. ولما تقدم فكفرت بأنعم الله جاء هنا : واشكروا نعمة الله. وفي البقرة جاء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (٢) لم يذكر من كفر نعمته فقال : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) (٣) ولما أمرهم بالأكل مما رزقهم ، عدد عليهم محرماته تعالى ونهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم دون اتباع ما شرع الله على لسان أنبيائه. وكذا جاء في البقرة ذكر ما حرم إثر قوله : كلوا مما رزقناكم. وقوله : إنما حرم الآية تقدّم تفسير مثلها في البقرة (٤).
(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) : لما بين تعالى ما حرم ، بالغ في تأكيد ذلك بالنهي عن الزيادة فيما حرم
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧٢.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٧٢.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٧٣.