(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) : قرأ الأعمش وحفص : يحشرهم بالياء راجعا الضمير غائبا عائدا على الله ، إذ تقدّم (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) (١) ولما ذكر أولئك الأشقياء أتبعه بالوعيد ، ووصف حالهم يوم القيامة والمعنى : كأن لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور يعني : فقليل لبثهم ، وذلك لهول ما يعاينون من شدائد القيامة ، أو لطول يوم القيامة ووقوفهم للحساب. قال ابن عباس : رأوا أنّ طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة. قال ابن عطية : ويوم ظرف ، ونصبه يصح بفعل مضمر تقديره : واذكر. ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه قوله : كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ، ويصح نصبه بيتعارفون ، والكاف من قوله : كأن ، يصح أن تكون في موضع الصفة لليوم ، ويصح أن تكون في موضع نعت للمصدر كأنه قال : ويوم نحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا ، ويصح أن يكون قوله : كأن لم يلبثوا في موضع الحال من الضمير في نحشرهم انتهى. أما قوله : ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا فإنه كلام مجمل لم يبين الفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا ، ولعله أراد ما قاله الحوفي : من أن الكاف في موضع نصب بما تضمنت من معنى الكلام وهو السرعة انتهى. فيكون التقدير : ويوم نحشرهم يسرعون كأن لم يلبثوا ، وأما قوله : والكاف من قوله كأن ، يصح أن تكون في موضع الصفة لليوم ، فلا يصح لأنّ يوم نحشرهم معرفة ، والجمل نكرات ، ولا تنعت المعرفة بالنكرة. لا يقال : إنّ الجمل الذي يضاف إليها أسماء الزمان نكرة على الإطلاق ، لأنها إن كانت في التقدير تنحل إلى معرفة ، فإنّ ما أضيف إليها يتعرف وإن كانت تنحل إلى نكرة كان ما أضيف إليها نكرة ، تقول : مررت في يوم قدم زيد الماضي ، فتصف يوم بالمعرفة ، وجئت ليلة قدم زيد المباركة علينا. وأيضا فكأن لم يلبثوا إلا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى ، لأنّ ذلك من وصف المحشورين لا من وصف يوم حشرهم. وقد تكلف بعضهم تقدير محذوف يربط فقدره : كأن لم يلبثوا قبله ، فحذف قبله أي قبل اليوم ، وحذف مثل هذا الرابط لا يجوز. فالظاهر أنها جملة حالية من مفعول نحشرهم كما قاله ابن عطية آخرا ، وكذا أعربه الزمخشري وأبو البقاء.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : كأن لم يلبثوا ويتعارفون كيف موقعهما؟ (قلت) : أما الأولى فحال منهم أي : نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة. وأما الثانية فإما أن تتعلق
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٤٤.