والأعمش : لساحر مبين ، جعل خبر إنّ اسم فاعل لا مصدرا كقراءة الجماعة. ولما كابروا موسى فيما جاء به من الحق أخبروا على جهة الجزم بأنّ ما جاء به سحر مبين فقال لهم موسى : أتقولون؟ مستفهما على جهة الإنكار والتوبيخ ، حيث جعلوا الحق سحرا ، أسحر هذا أي : مثل هذا الحق لا يدعى أنه سحر. وأخبر أنه لا يفلح من كان ساحرا لقوله تعالى : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (١) والظاهر أن معمول أتقولون محذوف تقديره : ما تقدم ذكره وهو إنّ هذا لسحر ، ويجوز أن يحذف معمول القول للدلالة عليه نحو قول الشاعر :
لنحن الألى قلتم فإني ملتئم |
|
برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا |
ومسألة الكتاب متى رأيت ، أو قلت زيدا منطلقا. وقيل : معمول أتقولون هو أسحر هذا إلى آخره ، كأنهم قالوا : أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح ، ولا يفلح الساحرون. كما قال موسى للسحرة : ما جئتم به السحر إن الله سيبطله. والذين قالوا : بأن الجملة وأن الاستفهام هي محكية لقول اختلفوا فقال بعضهم : قالوا ذلك على سبيل التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم ، كما تقول لفرس تراه يجيد الجري : أفرس هذا على سبيل التعجيب والاستغراب ، وأنت قد علمت أنه فرس ، فهو استفهام معناه التعجيب والتعظيم. وقال بعضهم : قال ذلك منهم كل جاهل بالأمر ، فهو يسأل أهو سحر؟ لقول بعضهم : إن هذا لسحر. وأجاز الزمخشري أن يكون معنى قوله : أتقولون للحق ، أتعيبونه وتطعنون فيه ، فكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه ، قال : من قولهم فلان يخاف القالة ، وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوء ، ونحو القول الذكر في قوله : سمعنا فتى يذكرهم ثم قال أسحر هذا فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه.
(قالُوا : أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ. وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ. فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ. فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) : أجئتنا خطاب لموسى وحده ، لأنه هو الذي ظهرت على يديه معجزة العصا واليد. لتصرفنا وتلوينا عن ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة غير الله ، واتخاذ إله دونه. والكبرياء مصدر. قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وأكثر المتأولين : المراد به هنا الملك ، إذ الملوك موصوفون بالكبر ،
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٦٩.