الملك ، فاطلع من جور بني إسرائيل على ما لم يعلمه الفرس لأنه كان يداخلهم ، فلما انصرف الجيش ذكر ذلك للملك الأعظم ، فلما كان بعد مدة جعله الملك رئيس جيش وبعثه وخرب بيت المقدس وقتلهم وجلاهم ثم انصرف فوجد الملك قد مات فملك موضعه ، واستمرت حاله حتى ملك الأرض بعد ذلك. وقيل هم العمالقة وكانوا كفارا. وقيل : كان المبعوثون قوما مؤمنين بعثهم الله وأمرهم بغزو بني إسرائيل والبعث هنا الإرسال والتسليط. وقال الزمخشري : معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم على أن الله عز وعلا أسند بعث الكفرة إلى نفسه فهو كقوله : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١) وكقول الداعي : وخالف بين كلمتهم وأسند الجوس وهو التردّد خلال الديار بالفساد إليهم ، فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم انتهى. وفي قوله خلينا بينهم وبين ما فعلوا دسيسة الاعتزال.
وقال ابن عطية : (بَعَثْنا) يحتمل أن يكون الله أرسل إلى ملك تلك الأمة رسولا بأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر ، ويحتمل أن يكون عبر بالبعث عما ألقى في نفس الملك أي غزاهم انتهى. (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي قتال وحرب شديد لقوتهم ونجدتهم وكثرة عددهم وعددهم. وقرأ الجمهور (فَجاسُوا) بالجيم. وقرأ أبو السمال وطلحة فحاسوا بالحاء المهملة. وقرىء فتجوسوا على وزن تكسروا بالجيم. وقرأ الحسن (خِلالَ الدِّيارِ) واحدا ويجمع على خلل كجبل وجبال ، ويجوز أن يكون خلال مفردا كالخلل وهو وسط الديار وما بينها ، والجمهور على أنه في هذه البعثة الأولى خرّب بيت المقدس ووقع القتل فيهم والجلاء والأسر. وعن ابن عباس ومجاهد : أنه حين غزوا جاس الغازون خلال الديار ولم يكن قتل ولا قتال في بني إسرائيل ، وانصرفت عنهم الجيوش. والضمير في (وَكانَ) عائدا على وعد أولاهما. قال الزمخشري : وكان وعد العقاب وعدا لا بد أن يفعل انتهى. وقيل يعود على الجيوش (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) هذا إخبار من الله لبني إسرائيل في التوراة ، وجعل (رَدَدْنا) موضع نرد إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي ، والكرة الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليهم حتى تابوا ورجعوا عن الفساد ملكوا بيت المقدس قبل الكرة قبل بخت نصر واستبقاء بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم ، وذكر في سبب ذلك أن ملكا غزا أهل بابل وكان بخت نصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفا ممن يقرأ
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٩.