و (إِنَّا لَجاعِلُونَ) أي مصيرون (ما عَلَيْها) مما كان زينة لها أو (ما عَلَيْها) مما هو أعم من الزينة وغيره (صَعِيداً) ترابا (جُرُزاً) لا نبات فيه ، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عن ما تضمنته أيدي المترفين من زينتها ، إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والحاق. وقال الزمخشري : (ما عَلَيْها) من هذه الزينة (صَعِيداً جُرُزاً) يعني مثل أرض بيضاء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة في إزالة بهجته وإماطة حسنه وإبطال ما به كان زينة من إماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار ونحو ذلك انتهى. قيل : والصعيد ما تصاعد على وجه الأرض. وقال مجاهد : الأرض التي لا نبات بها. وقال السدّي الأملس المستوي. وقيل : الطريق. وفي الحديث : «إياكم والقعود على الصعدات».
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً).
(أَمْ) هنا هي المنقطعة فتتقدر ببل والهمزة. قيل : للإضراب عن الكلام الأول بمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإبطال ، والهمزة للإستفهام. وزعم بعض النحويين أن (أَمْ) هنا بمعنى الهمزة فقط ، والظاهر في (أَمْ حَسِبْتَ) أنه خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم. فقال مجاهد : لم ينهه عن التعجب وإنما أراد كل آياتنا كذلك. وقال قتادة : لا يتعجب منها فالعجائب في خلق السموات والأرض أكثر. وقال ابن عباس : سألوك عن ذلك ليجعلوا جوابك علامة لصدقك وكذبك ، وسائر آيات القرآن أبلغ وأعجب وأدل على صدقك. وقال الطبري : تقرير له عليهالسلام على حسبانه (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) كانوا (عَجَباً) بمعنى إنكار ذلك عليه أن لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة ، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم. قال : وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق. وقال الزهراوي : يحتمل معنى آخر وهو أن يكون استفهاما له هل علم (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) (... كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) بمعنى إثبات أنهم عجب ، ويكون فائدة تقريره جمع نفسه للأمر لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته ، فيقال له وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا