بأن يهيىء لهم من أمرهم الذي صاروا إليه من مفارقة دين أهليهم وتوحيد الله رشدا وهي الاهتداء والديمومة عليه.
وقال الزمخشري : واجعل (أَمْرِنا رَشَداً) كله كقولك رأيت منك أسدا. وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري : وهي ويهيي بياءين من غير همز ، يعني أنه أبدل الهمزة الساكنة ياء. وفي كتاب ابن خالويه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم : وهيء لنا ويهي لكم لا يهمز انتهى. فاحتمل أن يكون أبدل الهمزة ياء ، واحتمل أن يكون حذفها فالأول إبدال قياسي ، والثاني مختلف فيه ينقاس حذف الحرف المبدل من الهمزة في الأمر أو المضارع إذا كان مجزوما. وقرأ أبو رجاء : رشد بضم الراء وإسكان الشين. وقرأ الجمهور (رَشَداً) بفتحهما. قال ابن عطية : وهي أرجح لشبهها بفواصل الآيات قبل وبعد ، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم وألفاظه تقتضي ذلك ، وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها ، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه هذه الآية فإنها كافية ، ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمر الآخرة انتهى.
(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) استعارة بديعة للإنامة المستثقلة التي لا يكاد يسمع معها ، وعبر بالضرب ليدل على قوة المباشرة واللصوق واللزوم ومنه (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) (١) وضرب الجزية وضرب البعث. وقال الفرزدق :
ضربت عليك العنكبوت بنسجها |
|
وقضى عليك به الكتاب المنزل |
وقال الأسود بن يعفر :
ومن الحوادث لا أبا لك أنني |
|
ضربت على الأرض بالأشداد |
وقال آخر :
إن المروءة والسماحة والندى |
|
في قبة ضربت على ابن الحشرج |
استعير للزوم هذه الأوصاف لهذا الممدوح ، وذكر الجارحة التي هي الآذان إذ هي يكون منها السمع لأنه لا يستحكم نوم إلّا مع تعطل السمع. وفي الحديث : «ذلك رجل بال الشيطان في أذنه» أي استثقل نومه جدا حتى لا يقوم بالليل. ومفعول ضربنا محذوف أي حجابا من أن يسمع كما يقال بني على امرأته يريدون بني عليها القبة. وانتصب (سِنِينَ) على الظرف والعامل فيه (فَضَرَبْنا) ، و (عَدَداً) مصدر وصف به أو منتصب بفعل مضمر
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦١.