ذلك أنه تعالى بدأ بقصتهم أولا محنصرة من قوله (أَمْ حَسِبْتَ) إلى قوله (أَمَداً) ثم قصها تعالى مطولة مسهبة من قوله (نَحْنُ نَقُصُ) ـ إلى قوله ـ (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) (١).
وقال ابن عطية : والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم (الْفِتْيَةُ) أي ظنوا لبثهم قليلا ، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية ، وهذا قول الجمهور من المفسرين انتهى. وقالت فرقة : هما حزبان كافران اختلفا في مدة أهل الكهف. قال السدّي من اليهود والنصارى الذين علموا قريشا السؤال عن أهل الكهف ، وعن الخضر وعن الروح وكانوا قد اختلفوا في مدة إقامة أهل الكهف في الكهف. وقال مجاهد : قوم أهل الكهف كان منهم مؤمنون وكافرون واختلفوا في مدة إقامتهم. وقيل : حزبان من المؤمنين في زمن (أَصْحابَ الْكَهْفِ) اختلفوا في مدة لبثهم قاله الفراء. وقال ابن عباس الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب وأهل الكهف حزب. وقال ابن بحر : الحزبان الله والخلق كقوله (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) (٢) وهذه كلها أقوال مضطربة. وقال ابن قتادة : لم يكن للفريقين علم بلبثهم لا لمؤمن ولا لكافر بدليل قوله (اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) (٣). وقال مقاتل : كما بعثوا زال الشك وعرفت حقيقة اللبث.
و (أَحْصى) جوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون فعلا ماضيا ، وما مصدرية و (أَمَداً) مفعول به ، وأن يكون أفعل تفضيل و (أَمَداً) تمييز. واختار الزجّاج والتبريزي أن يكون أفعل للتفضيل واختار الفارسي والزمخشري وابن عطية أن تكون فعلا ماضيا ، ورجحوا هذا بأن (أَحْصى) إذا كان للمبالغة كان بناء من غير الثلاثي ، وعندهم أن ما أعطاه وما أولاه للمعروف وأعدى من الجرب شاذ لا يقاس. ويقول أبو إسحاق : إنه قد كثر من الرباعي فيجوز ، وخلط ابن عطية فأورد فيما بني من الرباعي ما أعطاه للمال وآتاه للخير وهي أسود من القار وماؤه أبيض من اللبن. وفهو لما سواها أضيع. قال : وهذه كلها أفعل من الرباعي انتهى. وأسود وأبيض ليس بناؤهما من الرباعي. وفي بناء أفعل للتعجب وللتفضيل ثلاثة مذاهب يبنى منه مطلقا وهو ظاهر كلام سيبويه ، وقد جاءت منه ألفاظ ولا يبنى منه مطلقا وما ورد حمل على الشذوذ والتفصيل بين أن تكون الهمزة للنقل. فلا يجوز ، أو لغير النقل كأشكل الأمر وأظلم الليل فيجوز أن تقول ما أشكل هذه المسألة ، وما أظلم هذا الليل. وهذا اختيار ابن عصفور من أصحابنا. ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو ، وإذا
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٢٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٤٠.
(٣) سورة الكهف : ١٨ / ٢٥.