يكون عبارة عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله ومنابذة الناس كما يقال : قام فلان إلى كذا إذا اعتزم عليه بغاية الجد.
وقال الكرماني : (قامُوا) على أرجلهم. وقيل : (قامُوا) يدعون الناس سرّا. وقال عطاء (قامُوا) عند قيامهم من النوم قالوا وقبل : (قامُوا) على إيمانهم. وقال صاحب الغنيان : (إِذْ قامُوا) بين يديّ الملك فتحركت هرة. وقيل : فأرة ففزع دقيانوس فنظر بعضهم إلى بعض فلم يتمالكوا أن قالوا (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وكان قومهم عباد أصنام ، وما أحسن ما وحدوا الله بأن ربهم هو موجد السموات والأرض المتصرّف فيها على ما يشاء ، ثم أكدوا هذا التوجيد بالبراءة من إله غيره بلفظ النفي المستغرق تأبيد الزمان على قول. واللام في (لَقَدْ) لام توكيد و (إِذاً) حرف جواب وجزاء ، أي (لَقَدْ قُلْنا) لن ندعو من دونه إلها قولا (شَطَطاً) أي ذا شطط وهو التعدي والجور ، فشططا نعت لمصدر محذوف إما على الحذف كما قدرناه ، وإما على الوصف به على جهة المبالغة. وقيل : مفعول به بقلنا. وقال قتادة : (شَطَطاً) كذبا. وقال أبو زيد : خطأ.
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً).
ولما وحدوا الله تعالى ورفضوا ما دونه من الآلهة أخذوا في ذم قومهم وسوء فعلهم وأنهم لا حجة لهم في عبادة غير الله ، ثم عظموا جرم من افترى على الله كذبا وهذه المقالة يحتمل أن قالوها في مقامهم بين يديّ الملك تقبيحا لما هو وقومهم عليه وذلك أبلغ في التبرّي من عبادة الأصنام ، وأفتّ في عضد الملك إذا اجترءوا عليه بذم ما هو عليه ، ويحتمل أن قالوا ذلك عند قيامهم للأمر الذي عزموا عليه و (هؤُلاءِ) مبتدأ.
و (قَوْمُنَا) قال الحوفي : خبر و (اتَّخَذُوا) في موضع الحال. وقال الزمخشري : وتبعه أبو البقاء : (قَوْمُنَا) عطف بيان و (اتَّخَذُوا) في موضع الخبر. والضمير في (مِنْ دُونِهِ) عائد على الله ، ولو لا تحضيض صحبه الإنكار إذ يستحيل وقوع سلطان بيّن على ذلك فلا يمكن فيه التحضيض الصرف ، فحضوهم على ذلك على سبيل التعجيز لهم ، ومعنى (عَلَيْهِمْ) على اتخاذهم آلهة و (اتَّخَذُوا) هنا يحتمل أن يكون بمعنى عملوا لأنها أصنام هم نحتوها ، وأن تكون بمعنى صيروا ، وفي ما ذكروه دليل على أن الدّين لا يؤخذ إلّا