ولعبت به ذاهبة وجائية ، أخبر تعالى عن اقتداره على كل شيء من الإنشاء والإفناء وغيرهما مما تتعلق به قدرته تعالى.
ولما حقر تعالى حال الدنيا بما ضربه من ذلك المثل ذكر أن ما افتخر به عيينه وأضرابه من المال والبنين إنما ذلك (زِينَةُ) هذه (الْحَياةِ الدُّنْيا) المحقرة ، وإن مصير ذلك إنما هو إلى النفاد ، فينبغي أن لا يكترث به ، وأخبر تعالى بزينة المال والبنين على تقدير حذف مضاف أي مقر (زِينَةُ) أو وضع المال والبنين منزلة المعنى والكثرة ، فأخبر عن ذلك بقوله (زِينَةُ) ولما ذكر مآل ما في الحياة الدنيا إلى الفناء اندرج فيه هذا الجزئي من كون المال والبنين زينة ، وأنتج. أن زينة الحياة الدنيا فإن إذ ذاك فرد من أفراد ما في الحياة الدنيا ، وترتيب هذا الإنتاج أن يقال (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) وكل ما كان (زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) فهو سريع الانقضاء فالمال والبنون سريع الانقضاء ، ومن بديهة العقل أن ما كان كذلك بقبح بالعاقل أن يفتخر به أو يفرح بسببه ، وهذا برهان على فساد قول أولئك المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأولاد.
(وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) قال الجمهور هي الكلمات المأثور فضلها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم. وقال ابن عباس وابن جبير وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل هي الصلوات الخمس. وعن ابن عباس أنه كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة ، ورجحه الطبري وقول الجمهور مروي عن الرسول صلىاللهعليهوسلم من طريق أبي هريرة وغيره. وعن قتادة : كل ما أريد به وجه الله. وعن الحسن وابن عطاء : إنها النيات الصالحة فإنّ بها تتقبل الأعمال وترفع ، ومعنى (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) أنها دائمة باقية وخيرات الدنيا منقرضة فانية ، والدائم الباقي خير من المنقرض المنقضي. (وَخَيْرٌ أَمَلاً) أي وخير رجاء لأن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ونصيبه في الآخرة دون ذي المال والبنين العاري من الباقيات الصالحات فإنه لا يرجو ثوابا.
ولما ذكر تعالى ما يؤول إليه حال الدنيا من النفاد أعقب ذلك بأوائل أحوال يوم القيامة فقال (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) كقوله (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) (١). وقال : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (٢). وقال (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) (٣). وقال (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) (٤) والمعنى أنه ينفك نظام هذا
__________________
(١) سورة الطور : ٥٢ / ٩.
(٢) سورة النمل : ٢٧ / ٨٨.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ١٠٥.
(٤) سورة التكوير : ٨١ / ٣.