وثاب والإخوان (وَيُبَشِّرُ) مضارع بشر المخفف ومعنى (أَعْتَدْنا) أعددنا وهيأنا ، وهذه الآية جاءت عقب ذكر أحوال اليهود ، واندرجوا فيمن لا يؤمن بالآخرة لأن أكثرهم لا يقول بالثواب والعقاب الجسماني وبعضهم قال : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) (١) فلم يؤمنوا بالآخرة حقيقة الإيمان بها.
(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : نزلت ذامّة لما يفعله الناس من الدعاء على أموالهم وأبنائهم في أوقات الغضب والضجر ، ومناسبتها لما قبلها أن بعض من لا يؤمن بالآخرة كان يدعو على نفسه بتعجيل ما وعد به من الشر في الآخرة ، كقول النضر : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) (٢) الآية. وكتب (وَيَدْعُ) بغير واو على حسب السمع والإنسان هنا ليس واحدا معينا ، والمعنى أن في طباع الإنسان أنه إذا ضجر وغضب دعا على نفسه وأهله وماله بالشر أن يصيبه كما يدعو بالخير أن يصيبه ، ثم ذكر تعالى أن ذلك من عدم تثبته وقلة صبره. وعن سلمان الفارسي وابن عباس : أشار به إلى آدم لما نفخ الروح في رأسه عطس وأبصر ، فلما مشى الروح في بدنه قبل ساقه أعجبته نفسه فذهب يمشي مستعجلا فلم يقدر ، أو المعنى ذو عجلة موروثة من أبيكم انتهى. وهذا القول تنبو عنه ألفاظ الآية. وقالت فرقة : هذه الآية ذم لقريش الذين قالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) (٣) الآية. وكان الأولى أن يقولوا : فاهدنا إليه وارحمنا. وقالت فرقة : هي معاتبة للناس على أنهم إذا نالهم شر وضر دعوا وألحوا في الدعاء واستعجلوا الفرج ، مثل الدعاء الذي كان يجب أن يدعوه في حالة الخير انتهى. والباء في (بِالشَّرِّ) و (بِالْخَيْرِ) على هذا بمعنى في ، والمدعوّ به ليس الشر ولا الخير ، ويراد على هذا أن تكون حالتاه في الشر والخير متساويتين في الدعاء والتضرّع لله والرغبة والذكر ، وينبو عن هذا المعنى قوله : (دُعاءَهُ) إذ هو مصدر تشبيهي يقتضي وجوده ، وفي هذا القول شبه (دُعاءَهُ) في حالة الشر بدعاء مقصود كان ينبغي أن يوجد في حالة الخير.
وقيل : المعنى (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) في طلب المحرم كما يدعو في طلب المباح (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) لما ذكر تعالى القرآن وأنه هاد إلى الطريقة المستقيمة ذكر ما أنعم به مما لم يكمل الانتفاع إلّا به ، وما دل على توحيده من عجائب العالم العلوي ، وأيضا لما ذكر عجلة الإنسان وانتقاله من حال إلى حال ذكر أن كل هذا العالم كذلك في
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٨٠.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.
(٣) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.