الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً.
(مُوسى) المذكور في هذه الآية هو موسى بن عمران عليهالسلام ، ولم يذكر الله في كتابه موسى غيره ، ومن ذهب إلى أنه غيره وهو موسى بن ميشا بن يوسف ، أو موسى بن إفرائيم بن يوسف فقول لا يصح ، بل الثابت في الحديث الصحيح وفي التواريخ أنه موسى بن عمران نبيّ إسرائيل ، والمرسل هو وأخوه هارون إلى فرعون ، وفتاه هو يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب عليهم الصلاة والسلام ، والفتى الشاب ولما كان الخدم أكثر ما يكونون فتيانا قيل للخادم فتى على جهة حسن الأدب ، وندبت الشريعة إلى ذلك. ففي الحديث : «لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي». وقال : (لِفَتاهُ) لأنه كان يخدمه ويتبعه. وقيل : كان يأخذ منه العلم. ويقال : إن يوشع كان ابن اخت موسى عليهالسلام وسبب هذه القصة أن موسى عليهالسلام جلس يوما في مجلس لبني إسرائيل وخطب فأبلغ ، فقيل له هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال : لا ، فأوحى الله إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) أسير أي لا أزال. قال ابن عطية : وإنما قال هذه المقالة وهو سائر. ومن هذا قول الفرزدق :
فما برحوا حتى تهادت نساؤهم |
|
ببطحاء ذي قار عباب اللطائم |
انتهى. وهذا الذي ذكره فيه حذف خبر (لا أَبْرَحُ) وهي من أخوات كان ، ونص أصحابنا على أن حذف خبر كان وأخواتها لا يجوز وإن دل الدليل على حذفه إلّا ما جاء في الشعر من قوله :
لهفي عليك للهفة من خائف |
|
يبغي جوارك حين ليس مجير |
أي حين ليس في الدنيا. وقال الزمخشري : فإن قلت : (لا أَبْرَحُ) إن كان بمعنى لا أزول من برح المكان فقد دل على الإقامة على السفر ، وإن كان بمعنى لا أزال فلا بد من الخبر قلت : هو بمعنى لا أزال وقد حذف الخبر لأن الحال والكلام معا يدلان عليه ، أما الحال فلأنها كانت حال سفر ، وأما الكلام فلأن قوله (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له ، فلا بد أن يكون المعنى لا يبرح مسيري (حَتَّى أَبْلُغَ) على أن