موضع نصب عطف الفعل على الاسم إذا كان في معناه كقوله (صَافَّاتٍ) و (يَقْبِضُ) (١) أي وقابضات ، ويجوز أن يكون معطوفا على (سَتَجِدُنِي) فلا محل له من الإعراب ولا يكون مقيدا بالمشيئة لفظا.
وقال القشيري : وعد موسى من نفسه بشيئين : بالصبر وقرنه بالاستثناء بالمشيئة فصبر حين وجد على يدي الخضر فيما كان منه من الفعل ، وبأن لا يعصيه فأطلق ولم يقرنه بالاستثناء فعصاه حيث قال له (فَلا تَسْئَلْنِي) فكان يسأله فما قرن بالاستثناء لم يخالف فيه وما أطلقه وقع فيه الخلف انتهى. وهذا منه على تقدير أن يكون (وَلا أَعْصِي) معطوفا على (سَتَجِدُنِي) فلم يندرج تحت المشيئة.
(قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي) أي إذا رأيت مني شيئا خفي عليك وجه صحته فأنكرت في نفسك فلا تفاتحني بالسؤال حتى أكون أنا الفاتح عليك ، وهذا من أدب المتعلم مع العالم المتبوع. وقرأ نافع وابن عامر (فَلا تَسْئَلْنِي) وعن أبي جعفر بفتح السين واللام من غير همز مشددة النون وباقي السبعة بالهمز وسكون اللام وتخفيف النون. قال أبو علي. كلهم بياء في الحالين انتهى. وعن ابن عامر في حذف الياء خلاف غريب.
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).
(فَانْطَلَقا) أي موسى والخضر وكان معهم يوشع ولم يضمر لأنه في حكم التبع. وقيل : كان موسى قد صرفه وردّه إلى بني إسرائيل. والألف واللام في (السَّفِينَةِ) لتعريف الجنس إذ لم يتقدم عهد في سفينة مخصوصة. وروي في كيفية ركوبهما السفينة وخرقها وسدها أقوال ، والمعتمد ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما قالا : «فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول ، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له
__________________
(١) سورة الملك : ٦٧ / ١٩.