الخرق يمكن سده والقتل لا سبيل إلى تدارك الحياة معه. وفي قوله (لَكَ) زجر وإغلاظ ليس في الأول لأن موقعه التساؤل بأنه بعد التقدم إلى ترك السؤال واستعذار موسى بالنسيان أفظع وأفظع في المخالفة لما كان أخذ على نفسه من الصبر وانتفاء العصيان.
(قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها) أي بعد هذه القصة أو بعد هذه المسألة (فَلا تُصاحِبْنِي) أي فأوقع الفراق بيني وبينك. وقرأ الجمهور (فَلا تُصاحِبْنِي) من باب المفاعلة. وقرأ عيسى ويعقوب فلا تصحبني مضارع صحب وعيسى أيضا بضم التاء وكسر الحاء مضارع أصحب ، ورواها سهل عن أبي عمرو أي فلا تصحبني علمك وقدره بعضهم فلا تصحبني إياك وبعضهم نفسك. وقرأ الأعرج بفتح التاء والباء وشد النون. ومعنى (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) أي قد اعتذرت إليّ وبلغت إلى العذر. وقرأ الجمهور (مِنْ لَدُنِّي) بإدغام نون لدن في نون الوقاية التي اتصلت بياء المتكلم. وقرأ نافع وعاصم بتخفيف النون وهي نون لدن اتصلت بياء المتكلم وهو القياس ، لأن أصل الأسماء إذا أضيفت إلى ياء المتكلم لم تلحق نون الوقاية نحو غلامي وفرسي ، وأشم شعبة الضم في الدال ، وروي عن عاصم سكون الدال. قال ابن مجاهد : وهو غلط وكأنه يعني من جهة الرواية ، وأما من حيث اللغة فليست بغلط لأن من لغاتها لد بفتح اللام وسكون الدال. وقرأ عيسى (عُذْراً) بضم الذال ورويت عن أبي عمرو وعن أبي عذري بكسر الراء مضافا إلى ياء المتكلم. وفي البخاري قال : «يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما» وأسند الطبري قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فقال : «رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر على صاحبه لرأى العجب» ولكنه قال (فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً).
والقرية التي أتيا أهلها أنطاكية أو الأبلة أو بجزيرة الأندلس وهي الجزيرة الخضراء ، أو برقة أو أبو حوران بناحية أذربيجان ، أو ناصرة من أرض الروم أو قرية بأرمينية أقوال مضطربة بحسب اختلافهم في أي ناحية من الأرض كانت قصة والله أعلم بحقيقة ذلك. وفي الحديث أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله تعالى. وتكرر لفظ (أَهْلَ) على سبيل التوكيد ، وقد يظهر له فائدة عن التوكيد وهو أنهما حين أتيا أهل القرية لم يأتيا جميع أهل القرية إنما أتيا بعضهم ، فلما قال (اسْتَطْعَما) احتمل أنهما لم يستطعما إلّا ذلك البعض الذي أتياه فجيء بلفظ أهلها ليعم جميعهم وأنهم يتبعونهم واحدا واحدا بالاستطعام ، ولو كان التركيب استطعماهم لكان عائدا على البعض المأتي.