غير همز. وعن ابن عباس : كان قول موسى في السفينة وفي الغلام لله ، وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا فكان سبب الفراق. وقال أرباب المعاني : هذه الأمثلة التي وقعت لموسى مع الخضر حجة على موسى وإعجاله ، وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي : يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحا في اليم؟ فلما أنكر قتل الغلام قيل له : أين إنكارك هذا من وكز القبطي وقضائك عليه؟ فلما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك الحجر لبنات شعيب دون أجرة؟ (سَأُنَبِّئُكَ) في معاني هذا معك ولا أفارقك حتى أوضح لك ما استبهم عليك.
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)
روي أن موسى عليهالسلام لما عزم الخضر على مفارقته أخذ بثيابه ، وقال : لا أفارقك حتى تخبرني بم أباح لك فعل ما فعلت ، فلما التمس ذلك منه أخذ في البيان والتفصيل ، فقال : (أَمَّا السَّفِينَةُ) فبدأ بقصة ما وقع له أولا. قيل : كانت لعشرة إخوة ، خمسة زمني وخمسة يعملون في البحر. وقيل : كانوا أجراء فنسبت إليهم للاختصاص. وقرأ الجمهور : مساكين بتخفيف السين جمع مسكين. وقرأ عليّ كرم الله وجهه بتشديد السين جمع مساك جمع تصحيح. فقيل : المعنى ملاحين ، والمساك الذي يمسك رجل السفينة وكل منهم يصلح لذلك. وقيل : المساكون دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك ، والقراءة الأولى تدل على أن السفينة كانت لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم ، واحتج بهذه الآية على أن المسكين هو الذي له بلغة من العيش كالسفينة لهؤلاء ، وأنه أصلح حالا من الفقير. وقوله (فَأَرَدْتُ) فيه إسناد إرادة العيب إليه. وفي قوله : فأراد ربك أن يبلغا لما في ذكر العيب ما فيه فلم يسنده إلى الله ، ولما في ذلك من فعل الخير أسنده إلى الله تعالى.