أي ضاربها ، وصريم بمعنى صارم يعني أنه بناء مبالغة كرحيم وحفيظ ، وذكر (حَسِيباً) لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير ، لأن الغالب أن هذه الأمور يتولاها الرجال ، وكأنه قيل : كفى بنفسك رجلا حسيبا. وقال الأنباري : وإنما قال (حَسِيباً) والنفس مؤنثة لأنه يعني بالنفس الشخص ، أو لأنه لا علامة للتأنيث في لفظ النفس ، فشبهت بالسماء والأرض قال تعالى : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) (١). وقال الشاعر :
ولا أرض أبقل ابقالها
(مَنِ اهْتَدى) الآية قالت فرقة : نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسود ، وفي الضلال إلى الوليد بن المغيرة. وقيل : نزلت في الوليد هذا قال : يا أهل مكة اكفروا بمحمد وإثمكم عليّ ، وتقدم تفسير (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) في آخر الأنعام (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) غيا انتفاء التعذيب ببعثة الرسول عليهالسلام ، والمعنى حتى يبعث رسولا فيكذب ولا يؤمن بما جاء به من عند الله ، وانتفاء التعذيب أعم من أن يكون في الدنيا بالهلاك وغيره من العذاب أو في الآخرة بالنار فهو يشملهما ، ويدل على الشمول قوله في الهلاك في الدنيا بعد هذه الآية (وَإِذا أَرَدْنا) وفي الآخرة (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) وآي كثيرة نص فيها على الهلاك في الدنيا بأنواع من العذاب حين كذبت الرسل. وقوله في عذاب الآخرة كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير؟ وقالوا : بلى قد جاءنا نذير ، وكلما تدل على عموم أزمان الإلقاء فتعم الملقين. وقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٢) وذهب الجمهور إلى أن هذا في حكم الدنيا ، أي إن الله لا يهلك أمّة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار.
قال الزمخشري : فإن قلت الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسول لأن معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه ، واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم ركونهم لذلك الإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان. قلت : بعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة لئلا يقولوا كنا غافلين ، فلولا بعثت إلينا رسولا ينبهنا على النظر في أدلة العقل انتهى. وقال مقاتل : المعنى وما كنا مستأصلين في الدنيا لما اقتضته الحكمة الإلهية حتى
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ١٨.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٤.