الدنيا رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال ابن جبير وقتادة ومقاتل وسفيان. وقال مجاهد : عكسه. وقال الأخفش : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) قبل أن نخلق (وَما خَلْفَنا) بعد الفناء (وَما بَيْنَ ذلِكَ) ما بين الدنيا والآخرة. وقال مجاهد وعكرمة وأبو العالية : ما بين النفختين. وقال الأخفش : حين كوننا. وقال صاحب الغينان : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) نزول الملائكة من السماء ، (وَما خَلْفَنا) من الأرض (وَما بَيْنَ ذلِكَ) ما بين السماء والأرض. قال ابن القشيري مثل قول ابن جريج ، ثم قال : حصر الأزمنة الثلاثة وهي أن كلها لله هو منشئها ومدبر أمرها على ما يشاء من تقديم إنزال وتأخيره انتهى. وفيه بعض تلخيص وتصرف.
وقال ابن عطية : إنما القصد الإشعار بملك الله تعالى لملائكته ، وأن قليل تصرفهم وكثيره إنما هو بأمره وانتقالهم من مكان إلى مكان إنما هو بحكمته إذ الأمكنة له وهم له ، فلو ذهب بالآية إلى أن المراد بما بين الأيدي وما خلف الأمكنة التي فيها تصرفهم والمراد بما بين ذلك هم أنفسهم ومقاماتهم لكان وجها كأنه قال : نحن مقيدون بالقدرة لا ننتقل ولا نتنزل إلّا بأمر ربك انتهى. وما قاله فيه ابن عطية له إلى آخره ذهب إلى نحوه الزمخشري قال له : ما قدامنا وما خلفنا من الجهات والأماكن. وما نحن فيها ، فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومكان إلى مكان إلّا بأمر المليك ومشيئته ، والمعنى أنه محيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية ، فكيف نقدم على فعل نحدثه إلّا صادرا عما توجبه حكمته ويأمرنا ويأذن لنا فيه انتهى. وقال البغوي : له علم ما بين أيدينا.
وقال أبو مسلم وابن بحر : (وَما نَتَنَزَّلُ) الآية ليس من كلام الملائكة وإنما هو من كلام أهل الجنة بعضهم لبعض إذا دخلوها وهي متصلة بالآية الأولى إلى قوله (وَما بَيْنَ ذلِكَ) أي ما ننزل الجنة إلّا بأمر ربك له (ما بَيْنَ أَيْدِينا) أي في الجنة مستقبلا (وَما خَلْفَنا) مما كان في الدنيا وما بينهما أي ما بين الوقتين. وحكى الزمخشري هذا القول فقال : وقيل هي حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة أي وما ننزل الجنة إلّا بإذن من الله علينا بثواب أعمالنا وأمرنا بدخولها وهو المالك لرقاب الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة ، اللاطف في أعمال الخير والموفق لها والمجازي عليها.
ثم قال تعالى تقريرا لهم (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) لأعمال العاملين غافلا عما يجب أن يثابوا به ، وكيف يجوز النسيان والغفلة على ذي ملكوت السموات والأرض وما بينهما انتهى. وقال القاضي : هذا مخالف للظاهر من وجوه.