الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمر : وإنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا ، ـ يعني إلى الإسلام ـ فأسرعوا وأبطأنا ، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر. وقرىء أكثر بالثاء المثلثة. وقال ابن عطية : وقوله : (أَكْبَرُ دَرَجاتٍ) ليس في اللفظ من أي شيء لكنه في المعنى ، ولا بد (أَكْبَرُ دَرَجاتٍ) من كل ما يضاف بالوجود أو بالفرض ، ورأى بعض العلماء أن هذه الدرجات والتفضيل إنما هو فيما بين المؤمنين. وأسند الطبري في ذلك حديثا «أن أنزل أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها وقد أرضى الله الجميع فما يغبط أحد أحدا». والخطاب في (لا تَجْعَلْ) للسامع غير الرسول. وقال الطبري وغيره : الخطاب لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، والمراد لجميع الخلق. (فَتَقْعُدَ) قال الزمخشري : من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، بمعنى صارت. يعني فتصير جامعا على نفسك الذم وما يتبعه من الهلاك من الذل والخذلان والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكا له انتهى. وما ذهب إليه من استعمال (فَتَقْعُدَ) بمعنى فتصير لا يجوز عند أصحابنا ، وقعد عندهم بمعنى صار مقصورة على المثل ، وذهب الفراء إلى أنه يطرد جعل قعد بمعنى صار ، وجعل من ذلك قول الراجز :
لا يقنع الجارية الخضاب |
|
ولا الوشاحان ولا الجلباب |
من دون أن تلتقي الأركاب |
|
ويقعد الأير له لعاب |
وحكى الكسائي : قعد لا يسأل حاجة إلّا قضاها بمعنى صار ، فالزمخشري أخذ في الآية بقول الفراء ، والقعود هنا عبارة عن المكث أي فيمكث في الناس (مَذْمُوماً مَخْذُولاً) كما تقول لمن سأل عن حال شخص هو قاعد في أسوأ حال ، ومعناه ماكث ومقيم ، وسواء كان قائما أم جالسا ، وقد يراد القعود حقيقة لأن من شأن المذموم المخذول أن يقعد حائرا متفكرا ، وعبر بغالب حاله وهي القعود. وقيل : معنى (فَتَقْعُدَ) فتعجز ، والعرب تقول : ما أقعدك عن المكارم والذمّ هنا لا حق من الله تعالى ، ومن ذوي العقول في أن يكون الإنسان يجعل عودا أو حجرا أفضل من نفسه ويخصه بالكرامة وينسب إليه الألوهية ويشركه مع الله الذي خلقه ورزقه وأنعم عليه ، والخذلان في هذا يكون بإسلام الله ولا يكفل له بنصر ، والمخذول الذي لا ينصره من يحب أن ينصره. وانتصب (مَذْمُوماً مَخْذُولاً) على الحال ، وعند الفراء والزمخشري على أنه خبر لتقعد كلا لمذكرين مثنى معنى اتفاقا مفردا لفظا عند البصريين على وزن فعل كمعي فلامه ألف منقلبة عن واو عند الأكثر ، مثنى لفظا عند