بجريان مثل هذا الجمع مجرى الواحدة المؤنثة ، وأجاز هذين الوجهين من الإعراب الحوفي وابن عطية وأبو البقاء. والذي نختاره أن يكون (مِنْ آياتِنَا) في موضع المفعول الثاني ، و (الْكُبْرى) صفة لآياتنا لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته تعالى كلها هي الكبر لأن ما كان بعض الآيات الكبر صدق عليه أنه (الْكُبْرى). وإذا جعلت (الْكُبْرى) مفعولا لم تتصف الآيات بالكبر لأنها هي المتصفة بأفعل التفضيل ، وأيضا إذا جعلت (الْكُبْرى) مفعولا فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معا لأنهما كان يلزم التثنية في وصفيهما فكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن كلا منهما فيها معنى التفضيل. ويبعد ما قال الحسن من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه ذكر عقيب اليد (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) لأنه جعل (الْكُبْرى) مفعولا ثانيا (لِنُرِيَكَ) وجعل ذلك راجعا إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء وقد ضعف قوله هذا لأنه ليس في اليد إلّا تغيير اللون ، وأما العصا ففيها تغيير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الشجر والحجر ، ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مرارا فكانت أعظم من اليد.
ولما أراه تعالى هاتين المعجزتين العظيمتين في نفسه وفيما يلابسه وهو العصا أمره بالذهاب إلى فرعون رسولا من عنده تعالى وعلل حكمة الذهاب إليه بقوله (إِنَّهُ طَغى) وخص فرعون وإن كان مبعوثا إليهم كلهم لأنه رأس الكفر ومدّعي الإلهية وقومه تباعه. قال وهب بن منبه : قال الله لموسى عليهالسلام اسمع كلامي واحفظ وصيتي وانطلق برسالتي أرعاك بعيني وسمعي ، وإن معك يدي ونصري ، وألبسك جنة من سلطاني تستكمل بها العزة في أمري أبعثك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي ، أقسم بعزتي لو لا الحجة والقدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار ، ولكن هان عليّ وسقط من عيني فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي. وقل له قولا لينا فإن ناصيته بيدي لا يطرف ولا يتنفس إلّا بعلمي في كلام طويل. قال : فسكت موسى عليهالسلام سبعة أيام. وقيل : أكثر فجاءه ملك فقال انفذ ما أمرك ربك.
(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى