قالوا : من نعمته عزوجل أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) أمر إباحة معمول لحال محذوفة أي (فَأَخْرَجْنا) قائلين أي آذنين في الانتفاع بها ، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها ، عديّ هنا (وَارْعَوْا) ورعى يكون لازما ومتعديا تقول : رعت الدابة رعيا ، ورعاها صاحبها رعاية إذا سامها وسرحها وأراحها قاله الزجاج. وأشار بقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ) للآيات السابقة من جعل الأرض مهدا وسلك سبلها وإنزال الماء وإخراج النبات. وقالوا (النُّهى) جمع نهية وهو العقل سمّي بذلك لأنه ينهى عن القبائح ، وأجاز أبو علي أن يكون مصدرا كالهدى. والضمير في (مِنْها) يعود على الأرض ، وأراد خلق أصلهم آدم. وقيل : ينطلق الملك إلى تربة المكان الذي يدفن فيه من يخلق فيبددها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة معا قاله عطاء الخراساني. وقيل : من الأغذية التي تتولد من الأرض فيكون ذلك تنبيها على ما تولدت منها الأخلاط المتولد منها الإنسان فهو من باب مجاز المجاز (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) أي بالدفن بها أو بالتمزيق عليها (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً) بالبعث (تارَةً) مرة (أُخْرى) يؤلف أجزاءهم المتفرقة ويردّهم كما كانوا أحياء. وقوله (أُخْرى) أي إخراجة أخرى لأن معنى قوله (مِنْها خَلَقْناكُمْ) أخرجناكم.
(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) هذا إخبار من الله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا يدل على أن قوله (فَأَخْرَجْنا) إنما هو خطاب له عليهالسلام (أَرَيْناهُ آياتِنا) هي المنقولة من رأي البصرية ، ولذلك تعدت إلى اثنين بهمزة النقل و (آياتِنا) ليس عاما إذ لم يره تعالى جميع الآيات ، وإنما المعنى آياتنا التي رآها ، فكانت الإضافة تفيد ما تفيده الألف واللام من العهد. وإنما رأى العصا واليد والطمسة وغير ذلك مما رآه فجاء التوكيد بالنسبة لهذه الآيات المعهودة. وقيل : المعنى آيات بكمالها وأضاف الآيات إليه على حسب التشريف كأنه قال آيات لنا. وقيل : يكون موسى قد أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من الأنبياء من آياتهم ومعجزاتهم ، وهو نبي صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به (فَكَذَّبَ) بها جميعا (وَأَبى) أن يقبل شيئا منها انتهى. وقاله الزمخشري وفيه بعد لأن الإخبار بالشيء لا يسمى رؤية إلا بمجاز بعيد.
وقيل : (أَرَيْناهُ) هنا من رؤية القلب لا من رؤية العين ، لأنه ما كان أراه في ذلك الوقت إلا العصا واليد البيضاء أي ولقد أعلمنا (آياتِنا كُلَّها) هي الآيات التسع. قيل : ويجوز أن يكون أراد بالآيات آيات توحيده التي أظهرها لنا في ملكوت السموات والأرض