القراءة الثالثة يعني يبلغانّ يكون قوله (أَحَدُهُما) بدلا من الضمير في يبلغان وهو بدل مقسم كقول الشاعر :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
|
وأخرى رمى فيها الزمان فشلّت |
انتهى. ويلزم من قوله أن يكون (كِلاهُما) معطوفا على (أَحَدُهُما) وهو بدل ، والمعطوف على البدل بدل ، والبدل مشكل لأنه يلزم منه أن يكون المعطوف عليه بدلا ، وإذا جعلت (أَحَدُهُما) بدلا من الضمير فلا يكون إلّا بدل بعض من كل ، وإذا عطفت عليه (كِلاهُما) فلا جائز أن يكون بدل بعض من كل ، لأن (كِلاهُما) مرادف للضمير من حيث التثنية ، فلا يكون بدل بعض من كل ، ولا جائز أن يكون بدل كل من كل لأن المستفاد من الضمير التثنية وهو المستفاد من (كِلاهُما) فلم يفد البدل زيادة على المبدل منه. وأما قول ابن عطية وهو بدل مقسم كقول الشاعر : وكنت كذي رجلين. البيت.
فليس من بدل التقسيم لأن شرط ذلك العطف بالواو ، وأيضا فالبدل المقسم لا يصدق المبدل فيه على أحد قسميه ، و (كِلاهُما) يصدق عليه الضمير وهو المبدل منه ، فليس من المقسم. ونقل عن أبي على أن (كِلاهُما) توكيد وهذا لا يتم إلّا بأن يعرب (أَحَدُهُما) بدل بعض من كل ، ويضمر بعده فعل رافع الضمير ، ويكون (كِلاهُما) توكيدا لذلك الضمير ، والتقدير أو يبلغا (كِلاهُما) وفيه حذف المؤكد. وقد أجازه سيبويه والخليل قال : مررت بزيد وإياي أخوه أنفسهما بالرفع والنصب ، الرفع على تقديرهما صاحباي أنفسهما ، والنصف على تقدير أعينهما أنفسهما ، إلّا أن المنقول عن أبي علي وابن جنّي والأخفش قبلهما أنه لا يجوز حذف المؤكد وإقامة المؤكد مقامه ، والذي نختاره أن يكون (أَحَدُهُما) بدلا من الضمير و (كِلاهُما) مرفوع بفعل محذوف تقديره أو يبلغ (كِلاهُما) فيكون من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، وصار المعنى أن يبلغ أحد الوالدين أو يبلغ (كِلاهُما عِنْدَكَ الْكِبَرَ). وجواب الشرط (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) وتقدم مدلول لفظ أف في المفردات واللغات التي فيها ، وإذا كان قد نهى أن يستقبلهما بهذه اللفظة الدالة على الضجر والتبرم بهما فالنهي عما هو أشدّ كالشتم والضرب هو بجهة الأولى ، وليست دلالة أف على أنواع الإيذاء دلالة لفظية خلافا لمن ذهب إلى ذلك.
وقال ابن عباس : (أُفٍ) كلمة كراهة بالغ تعالى في الوصية بالوالدين ، واستعمال