سلمهم منه ويدل على ذلك قوله (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) (١) وقيل : أنفذ فيهم وعيده وصلبهم على الجذوع وإكراهه إياهم على السحر. قيل : حملهم على معارضة موسى. وقيل : كان يأخذ ولدان الناس ويجربهم على ذلك فأشارت السحرة إلى ذلك قاله الحسن (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) ردّ على قوله (أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) أي وثواب الله وما أعده لمن آمن به ، روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما ففعل فوجده ويحرسه عصاه ، فقالوا : ما هذا بسحر الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه ويظهر من قولهم أئن لنا لأجرا عدم الإكراه.
(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ) ـ إلى ـ (مَنْ تَزَكَّى) قيل هو حكاية لهم عظة لفرعون. وقيل : خبر من الله لا على وجه الحكاية تنبيها على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة موعظة وتحذيرا ، والمجرم هنا الكافر لذكر مقابله (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) ولقوله (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) أي يعذب عذابا ينتهي به إلى الموت ثم لا يجهز عليه فيستريح ، بل يعاد جلده ويجدد عذابه فهو لا يحيا حياة طيبة بخلاف المؤمن الذي يدخل النار فهم يقاربون الموت ولا يجهز عليهم فهذا فرق بين المؤمن والكافر. وفي الحديث «إنهم يماتون إماتة» وهذا هو معناه لأنه لا يموت في الآخرة و (تَزَكَّى) تطهّر من دنس الكفر. وقيل : قال لا إله إلا الله.
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى).
هذا استئناف إخبار عن شيء من أمر موسى عليهالسلام وبينه وبين مقال السحرة المتقدم مدة من الزمان ، حدث فيها لموسى وفرعون حوادث ، وذلك أن فرعون لما انقضى أمر السحرة وغلب موسى وقوي أمره وعده فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل ، فأقام موسى على وعده حتى غدره فرعون ونكث وأعلمه أنه لا يرسلهم معه ، فبعث الله حينئذ الآيات المذكورة في غير هذه الآيات الجراد والقمل إلى آخرها كلما جاءت آية وعد فرعون أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف العذاب ، فإذا انكشف نكث حتى تأتي أخرى فلما كملت
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٣٥.