قال (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً) (١) وقيل : أعمى البصيرة. قال ابن عطية : ولو كان هذا لم يحس الكافر بذلك لأنه مات أعمى البصيرة ويحشر كذلك. وقال مجاهد والضحاك ومقاتل وأبو صالح وروي عن ابن عباس : (أَعْمى) عن حجته لا حجة له يهتدي بها. وعن ابن عباس يحشر بصيرا ثم إذا استوى إلى المحشر (أَعْمى). وقيل : (أَعْمى) عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه. وقيل (أَعْمى) عن كل شيء إلّا عن جهنم. وقال الجبائي : المراد من حشره (أَعْمى) لا يهتدي إلى شيء. وقال إبراهيم بن عرفة : كل ما ذكره الله عزوجل في كتابه فذمه فإنما يريد عمى القلب قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وقال مجاهد : معنى (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى) أي لا حجة لي وقد كنت عالما بحجتي بصيرا بها أحاجّ عن نفسي في الدنيا انتهى. سأل العبد ربه عن السبب الذي استحق به أن يحشر أعمى لأنه جهله ، وظن أنه لا ذنب له فقال له جل ذكره (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) أي مثل ذلك أنت ، ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ، ولم تتبصر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك قاله الزمخشري. والنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الذهول ، ومعنى (تُنْسى) تترك في العذاب (وَكَذلِكَ نَجْزِي) أي مثل ذلك الجزاء (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) أي من جاوز الحد في المعصية ثم أخبر تعالى أن عذاب الآخرة أشد أي من عذاب الدنيا لأنه أعظم منه (وَأَبْقى) أي منه لأنه دائم مستمر وعذاب الدنيا منقطع. وقال الزمخشري : والحشر على العمى الذي لا يزوال أبدا أشد من ضيق العيش المنقضي ، أو أراد ولتركنا إياه في العمى (أَشَدُّ وَأَبْقى) من تركه لآياتنا.
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى. وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى. وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى. وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٧.