و (النَّجْوَى) من التناجي ولا يكون إلا خفية فمعنى (وَأَسَرُّوا) بالغوا في إخفائها أو جعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم ولا يعلم أنهم متناجون. وقال أبو عبيد : (أَسَرُّوا) هنا من الأضداد يحتمل أن يكون أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكون أظهروه ومنه قول الفرزدق :
فلما رأى الحجاج جرد سيفه |
|
أسر الحروري الذي كان أضمرا |
وقال التبريزي : لا يستعمل في الغالب إلّا في الإخفاء ، وإنما (أَسَرُّوا) الحديث لأنه كان ذلك على طريق التشاور ، وعادة المتشاورين كتمان سرهم عن أعدائهم ، وأسروها ليقولوا للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين إن ما تدعونه حقا فأخبرونا بما أسررناه وجوزوا في إعراب (الَّذِينَ ظَلَمُوا) وجوها الرفع والنصب والجر ، فالرفع على البدل من ضمير (وَأَسَرُّوا) إشعارا أنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسروا به قاله المبرد ، وعزاه ابن عطية إلى سيبويه أو على أنه فاعل ، والواو في (أَسَرُّوا) علامة للجمع على لغة أكلوني البراغيث قاله أبو عبيدة والأخفش وغيرهما. قيل وهي لغة شاذة. قيل : والصحيح أنها لغة حسنة ، وهي من لغة أزدشنوءة وخرج عليه قوله (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) (١) وقال شاعرهم :
يلومونني في اشتراء |
|
النخيل أهليّ وكلهم ألوم |
أو على أن (الَّذِينَ) مبتدأ (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) خبره قاله الكسائي فقدّم عليه ، والمعنى : وهؤلاء (أَسَرُّوا النَّجْوَى) فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلا على فعلهم أنه ظلم ، أو على أنه فاعل بفعل القول وحذف أي يقول (الَّذِينَ ظَلَمُوا) والقول كثيرا يضمر واختاره النحاس قال ويدل على صحة هذا أن بعده هل هذا إلا بشر مثلكم. وقيل التقدير أسرها الذين ظلموا. وقيل : (الَّذِينَ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم (الَّذِينَ) والنصب على الذم قاله الزجاج ، أو على إضمار أعني قاله بعضهم. والجر على أن يكون نعتا للناس أو بدلا في قوله (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ) قاله الفراء وهو أبعد الأقوال.
(هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) استفهام معناه التعجب أي كيف خص بالنبوة دونكم مع مماثلته لكم في البشرية ، وإنكارهم وتعجبهم من حيث كانوا يرون أن الله لا يرسل إلّا ملكا. و (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) استفهام معناه التوبيخ و (السِّحْرَ) عنوا به ما ظهر على يديه من المعجزات التي أعظمها القرآن والذكر المتلو عليهم ، أي أفتحضرون (السِّحْرَ وَأَنْتُمْ
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٧١.