وقال آخر
إن لم يكن ورق يوما أجود به |
|
للسائلين فإني لين العود |
لا يعدم السائلون الخير من خلقي |
|
إما نوالي وإما حسن مردودي |
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) الآية. قيل : نزلت في إعطائه صلىاللهعليهوسلم قميصه ولم يكن له غيره وبقي عريانا. وقيل : أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وعيينة مثل ذلك ، والعباس بن مرداس خمسين ثم كملها مائة فنزلت ، وهذه استعارة استعير فيها المحسوس للمعقول ، وذلك أن البخل معنى قائم بالإنسان يمنعه من التصرف في ماله فاستعير له الغل الذي هو ضم اليد إلى العنق فامتنع من تصرف يده وإجالتها حيث تريد ، وذكر اليد لأن بها الأخذ والإعطاء ، واستعير بسط اليد لإذهاب المال وذلك أن قبض اليد يحبس ما فيها ، وبسطها يذهب ما فيها ، وطابق في الاستعارة بين بسط اليد وقبضها من حيث المعنى لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها ، وغلها أبلغ في القبض وقد طابق بينهما أبو تمام. فقال في المعتصم :
تعوّد بسط الكف حتى لوانّه |
|
ثناها لقبض لم تجبه أنامله |
وقال الزمخشري : هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والإقتار انتهى. والظاهر أنه مراد بالخطاب أمة الرسول صلىاللهعليهوسلم وإلّا فهو صلىاللهعليهوسلم كان لا يدّخر شيئا لغد ، وكذلك من كان واثقا بالله حق الوثوق كأبي بكر حين تصدّق بجميع ماله. وقال ابن جريج وغيره : المعنى لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق (وَلا تَبْسُطْها) فيما نهيتك عنه وروي عن قالون : كل البصط بالصاد فتقعد جواب للهيئتين باعتبار الحالين ، فالملوم راجع لقوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ). كما قال الشاعر :
إن البخيل ملوم حيث كان |
|
ولكن الجواد على علّانه هرم |
والمحسور راجع لنوله (وَلا تَبْسُطْها) وكأنه قيل فتلام وتحسر ، ثم سلاه تعالى عما كان يلحقه من الإضافة بأن ذلك ليس بهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ، ولكن لأن بسط الرزق وتضييقه إنما ذلك بمشيئته وإرادته لما يعلم في ذلك من المصلحة لعباده ، أو يكون المعنى القبض والبسط من مشيئة الله ، وأما أنتم فعليكم الاقتصاد وختم ذلك بقوله (خَبِيراً) وهو العلم بخفيات الأمور (بَصِيراً) أي بمصالح عباده حيث يبسط لقوم ويضيق على قوم.