(وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) فكما أن قولهم تابع لقوله كذلك فعلهم مبني على أمره لا يعملون عملا ما لم يؤمروا به ، وهذه عبارة عن توغلهم في طاعته والامتثال لأمره.
ثم أخبر تعالى أنه (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي ما تقدم من أفعالهم وأقوالهم ، والحوادث التي لها إليهم تسبب وما تأخر وعلمه بذلك يجري مجرى السبب لطاعتهم لما علموه عالما بجميع المعلومات وظواهرهم وبواطنهم كان ذلك داعيا لهم إلى نهاية الخضوع والدؤوب على العبادة. قال ابن عباس : (يَعْلَمُ) ما قدموا وما أخروا من أعمالهم. وقال نحوه عمار بن ياسر ، قال : ما عملوا وما لم يعملوا بعد ، وقيل (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) الدنيا. وقيل عكس ذلك. وقيل (يَعْلَمُ) ما كان قبل أن خلقهم وما كان بعد خلقهم.
ولما كانوا مقهورين تحت أمره وملكوته وهو محيط بهم لم يجسروا على أن يشفعوا إلّا لمن ارتضاه الله وأهله للشفاعة في زيادة الثواب والتعظيم ، ثم (هُمْ) مع ذلك (مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) متوقعون حذرون لا يأمنون مكر الله. وقال ابن عباس : (لِمَنِ ارْتَضى) هو من قال : لا إله إلا الله وشفاعتهم : الاستغفار. وقال مجاهد : لمن ارتضاه الله أن يشفع. وقيل : شفاعتهم في القيامة وفي الصحيح أنهم يشفعون في الدنيا والآخرة.
وبعد أن وصف كرامتهم عليه وأثنى عليهم وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية فجاء بالوعيد الشديد وأنذر بعذاب جهنم من ادعى منهم أنه إله وذلك على سبيل العرض والتمثيل مع علمه بأنه لا يكون كقوله (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١) قصد بذلك تفظيع أمر الشرك وتعظيم شأن التوحيد. وقرأ الجمهور (نَجْزِيهِ) بفتح النون. وقرأ أبو عبد الرحمن المقري بضمها أراد نجزئه بالهمز من أجزائي كذا كفاني ، ثم خفف الهمزة فانقلبت ياء كذلك أي مثل هذا الجزاء (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) وهم الكافرون والواضعون الشيء في غير موضعه ، وأداة الشرط تدخل على الممكن والممتنع نحو قوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) (٢).
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٨٨.
(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٥.