على الأصنام وأن يعود على عباده ، والكبر هنا عظم الجثة أو كبيرا في المنزلة عندهم لكونهم صاغوه من ذهب وجعلوا في عينيه جوهرتين تضيئان بالليل ، والضمير في (إِلَيْهِ) عائد على إبراهيم أي فعل ذلك ترجيا منه أن يعقب ذلك رجعه إليه وإلى شرعه. قال الزمخشري : وإنما استبقى الكبير لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما تسامعوه من إنكار لدينهم وسبه لآلهتهم فيبكتهم بما أجاب به من قوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ) (١). وقال ابن عطية : يحتمل أن يعود إلى الكبير المتروك ولكن يضعف ذلك دخول الترجي في الكلام انتهى وهو قول الكلبي. قال الزمخشري : ومعنى هذا لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات ، فيقولون ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحا والفأس على عاتقك قال : هذا بناء على ظنه بهم لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم واستجهالا ، وإن قياس حال من يسجد له ويؤهل للعبادة أن يرجع إليه في حل المشكل فإن قلت : فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم فأي فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم صلوات الله عليه غرضا؟ قلت : إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر وظهر أنهم في عبادته على أمر عظيم.
(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
في الكلام محذوف تقديره : فلما رجعوا من عيدهم إلى آلهتهم ورأوا ما فعل بها استفهموا على سبيل البحث والإنكار فقالوا : (مَنْ فَعَلَ هذا) أي التكسير والتحطيم إنه لظالم في اجترائه على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير (قالُوا) أي قال الذين سمعوا قوله (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (٢) (يَذْكُرُهُمْ) أي بسوء. قال الفراء : يقول الرجل للرجل لئن ذكرتني لتندمن أي بسوء. قال الزمخشري : فإن قلت : ما حكم الفعلين بعد (سَمِعْنا فَتًى) وأي فرق بينهما؟ قلت : هما صفتان لفتى إلا أن الأول وهو يذكرهم لا بد منه لسمع لأنك لا تقول : سمعت زيدا وتسكت حتى تذكر شيئا مما يسمع ، وأما الثاني فليس كذلك انتهى.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٣.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٥٧.