يَغُوصُونَ) أو في موضع رفع على الابتداء ، والخبر في الجار والمجرور قبله. والظاهر أن (مِنَ) موصولة. وقال أبو البقاء : هي نكرة موصوفة ، وجمع الضمير في (يَغُوصُونَ) حملا على معنى (مِنَ) وحسن ذلك تقدم جمع قبله كما قال الشاعر :
وإن من النسوان من هي روضة |
|
يهيج الرياض قبلها وتصوح |
لما تقدم لفظ النسوان حمل على معنى من فأنث ، ولم يقل من هو روضة والمعنى (يَغُوصُونَ) له في البحار لاستخراج اللآلئ ، ودل الغوص على المغاص فيه وعلى ما يغاص لاستخراجه وهو الجوهر ، فلذلك لم يذكر أو قال له أي لسليمان لأن الغائص قد يغوص لنفسه ولغيره ، فذكر أن الغوص ليس لأنفسهم إنما هو لأجل سليمان وامتثالهم أمره والإشارة بذلك إلى الغوص أي دون الغوص من بناء المدائن والقصور كما قال (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) (١) الآية. وقيل : الحمام والنورة والطاحون والقوارير والصابون من استخراجهم.
(وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أي من أن يزيغوا عن أمره أو يبدّلوا أو يغيروا أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه. وقيل : (حافِظِينَ) أن يهيجوا أحدا في زمان سليمان. وقيل (حافِظِينَ) حتى لا يهربوا. قيل : سخر الكفار دون المؤمنين ، ويدل عليه إطلاق لفظ (الشَّياطِينِ) وقوله (حافِظِينَ) والمؤمن إذا سخر في أمر لا يحتاج إلى حفظ لأنه لا يفسد ما عمل ، وتسخير أكثف الأجسام لداود وهو الحجر إذ أنطقه بالتسبيح والحديد إذ جعل في أصابعه قوة النار حتى لان له الحديد ، وعمل منه الزرد ، وتسخير ألطف الأجسام لسليمان وهو الريح والشياطين وهم من نار. وكانوا يغوصون في الماء والماء يطفىء النار فلا يضرهم ، دليل واضح على باهر قدرته وإظهار الضد من الضد وإمكان إحياء العظم الرميم ، وجعل التراب اليابس حيوانا فإذا أخبر به الصادق وجب قبوله واعتقاد وجوده انتهى.
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِ
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ١٣.