بالعمل به انتهى. وقرأ الجمهور : (وَلا تَقْفُ) بحذف الواو للجزم مضارع قفا. وقرأ زيد بن عليّ ولا تقفو بإثبات الواو. كما قال الشاعر :
هجوت زبان ثم جئت معتذرا |
|
من هجو زبان لم تهجو ولم تدع |
وإثبات الواو والياء والألف مع الجازم لغة لبعض العرب وضرورة لغيرهم. وقرأ معاذ القارئ : (وَلا تَقْفُ) مثل تقل ، من قاف يقوف تقول العرب : قفت أثره وقفوت أثره وهما لغتان لوجود التصاريف فيهما كجبذ وجذب ، وقاع الجمل الناقة وقعاها إذا ركبها ، وليس قاف مقلوبا من قفا كما جوّزه صاحب اللوامح. وقرأ الجرّاح العقيلي : (وَالْفُؤادَ) بفتح الفاء والواو قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد ثم استصحب القلب مع الفتح وهي لغة في (الْفُؤادَ) وأنكرها أبو حاتم وغيره وبه لا تتعلق بعلم لأنه يتقدّم معموله عليه. قال الحوفي : يتعلق بما تعلق به (لَكَ) وهو الاستقرار وهو لا يظهر وفي قوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) دليل على أن العلوم مستفادة من الحواس ومن العقول ، وجاء هذا على الترتيب القرآني في البداءة بالسمع ، ثم يليه البصر ، ثم يليه الفؤاد. و (أُولئِكَ) إشارة إلى (السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) وهو اسم إشارة للجمع المذكر والمؤنث العاقل وغيره. وتخيل ابن عطية أنه يختص بالعاقل. فقال : وعبر عن (السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) بأولئك لأنها حواس لها إدراك ، وجعلها في هذه الآية مسؤولة فهي حالة من يعقل ، ولذلك عبر عنها بأولئك. وقد قال سيبويه رحمهالله في قوله تعالى : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (١) إنما قال : رأيتهم في نجوم لأنه إنما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل.
وحكى الزجّاج أن العرب تعبر عمن يعقل وعما لا يعقل بأولئك ، وأنشد هو والطبري :
ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيام |
وأما حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده ، وأما البيت فالرواية فيه الأقوام انتهى. وليس ما تخيله صحيحا ، والنحاة ينشدونه بعد أولئك الأيام ولم يكونوا لينشدوا إلّا ما روي ، وإطلاق أولاء وأولاك وأولئك وأولالك على ما لا يعقل لا نعلم خلافا فيه ، و (كُلُ) مبتدأ والجملة خبره ، واسم (كانَ) عائد على (كُلُ) وكذا الضمير في (مَسْؤُلاً). والضمير في (عَنْهُ) عائد على ما من قوله (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فيكون المعنى أن كل واحد من (السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) يسأل عما لا علم له به أي عن انتفاء ما
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤.