وذكر المفسرون في كتبهم ابن عطية والزمخشري فمن قبلهما ومن بعدهما ما لا يجوز وقوعه من آحاد المؤمنين منسوبا إلى المعصوم صلوات الله عليه ، وأطالوا في ذلك وفي تقريره سؤالا وجوابا وهي قصة سئل عنها الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية ، فقال : هذا من وضع الزنادقة ، وصنف في ذلك كتابا. وقال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، وقال ما معناه : إن رواتها مطعون عليهم وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثة شيء مما ذكروه فوجب اطّراحه ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه. والعجب من نقل هذا وهم يتلون في كتاب الله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١) وقال الله تعالى آمرا لنبيه (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) (٢) وقال تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) (٣) الآية وقال تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) (٤) الآية فالتثبيت واقع والمقاربة منفية. وقال تعالى (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) (٥) وقال تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦) وهذه نصوص تشهد بعصمته ، وأما من جهة المعقول فلا يمكن ذلك لأن تجويزه يطرق إلى تجويزه في جميع الأحكام والشريعة فلا يؤمن فيها التبديل والتغيير ، واستحالة ذلك معلومة.
ولنرجع إلى تفسير بعض ألفاظ الآية إذ قد قررنا ما لاح لنا فيها من المعنى فقوله (مِنْ قَبْلِكَ مِنْ) فيه لابتداء الغاية و (مِنْ) في (مِنْ رَسُولٍ) زائدة تفيد استغراق الجنس. وعطف (وَلا نَبِيٍ) على (مِنْ رَسُولٍ) دليل على المغايرة. وقد تقدم لنا الكلام على مدلوليهما فأغنى عن إعادته هنا ، وجاء بعد (إِلَّا) جملة ظاهرها الشرط وهو (إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ) وقاله الحوفي ، ونصوا على أنه يليها في النفي مضارع لا يشترط فيه شرط ، فتقول : ما زيد إلّا بفعل كذا ، وما رأيت زيدا إلّا يفعل كذا ، وماض بشرط أن يتقدمه فعل كقوله (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا) (٧) أو يكون الماضي مصحوبا بقد نحو : ما زيد إلّا قد قام ، وما جاء بعد (إِلَّا) في الآية جملة شرطية ولم يلها مرض مصحوب بقد ولا عار منها ، فإن صح ما نصوا عليه تؤول على أن إذا جردت للظرفية ولا شرط فيها وفصل بها بين (إِلَّا) والفعل الذي هو (أَلْقَى) وهو فصل جائز فتكون إلّا قد وليها ماض في التقدير ووجد
__________________
(١) سورة النجم : ٥٣ / ١ ـ ٤.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ١٥.
(٣) سورة الحاقة : ٦٩ / ٤٤.
(٤) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٤.
(٥) سورة الفرقان : ٢٥ / ٣٢.
(٦) سورة الأعلى : ٨٧ / ٦.
(٧) سورة الحجر : ١ / ١١.